بالهندسة الوراثية.. “عودة الذئب الرهيب” بعد ١٠ آلاف عام من الانقراض! كيف نجح العلماء في واحدة من أعظم تجارب العصر الحديث؟

في تطور علمي غير مسبوق، أعلنت شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية “كولوسال بيوسسينسز” (Colossal Biosciences)، عن تحقيق ما كان يُعد سابقًا ضربًا من الخيال العلمي، بعد أن نجح فريقها البحثي في إعادة إحياء نوع منقرض بالكامل منذ أكثر من ١٠,٠٠٠ عام، وهو الذئب الرهيب (Dire Wolf)، أحد أشهر الحيوانات المفترسة التي عاشت في العصر الجليدي.
هذه الخطوة تُعد فتحًا ثوريًا في مجال “إحياء الأنواع المنقرضة” (De-Extinction)، وتفتح الباب أمام نقاشات علمية وأخلاقية حول مستقبل الحياة على كوكب الأرض، وكيف يمكن للتقنيات الحديثة أن تغيّر مسار الطبيعة والتوازن البيئي.
من هو الذئب الرهيب؟ ولماذا يُعد مهمًا علميًا؟
الذئب الرهيب، أو Canis dirus، هو نوع ضخم من الذئاب كان يعيش في أمريكا الشمالية والجنوبية خلال العصر الجليدي، ويُعتقد أنه انقرض منذ ما يقارب ١٢,٥٠٠ سنة، في نهاية العصر البلستوسيني، نتيجة التغيرات المناخية والانقراض الجماعي لأنواع الفرائس.
يختلف الذئب الرهيب عن الذئب الرمادي الشائع اليوم في حجمه الضخم وقوته، إذ كان يبلغ وزنه أكثر من ٧٠ كغ وله فكوك قوية جدًا قادرة على سحق العظام. كان يُعد أحد الكائنات المفترسة العليا في بيئته.
كيف أعيد إلى الحياة؟.. رحلة علمية مذهلة
وفقًا لما كشفته شبكة CNN الأمريكية، فقد بدأت العملية بتحليل الحمض النووي (DNA) المستخرج من حفريات متجمدة للذئب الرهيب وُجدت في مناطق مختلفة من أمريكا الشمالية. هذا الحمض النووي، على الرغم من تدهوره الجزئي، وفّر أساسًا جينيًا قويًا مكّن الفريق من إعادة تركيب الشيفرة الوراثية للذئب الرهيب.
بمقارنة هذا الحمض النووي مع الجينات الخاصة بالذئب الرمادي الحديث، تمكن الباحثون من تحديد أكثر من ٢٠ اختلافًا وراثيًا رئيسيًا. وباستخدام تقنيات التحرير الجيني (CRISPR)، تم تعديل خلايا جذعية من الذئب الرمادي، لتصبح مطابقة تقريبًا لخلايا الذئب الرهيب المنقرض.
بعدها، تم استخدام هذه الخلايا لإنشاء جنين اصطناعي، وجرى غرسه داخل أنثى ذئب رمادي، التي وضعت في النهاية أول كائن حي يحمل الصفات الجينية للذئب الرهيب منذ أكثر من ١٠ آلاف سنة.
لماذا يُعد هذا الاكتشاف ثوريًا؟
هذا النجاح العلمي يُعد الأول من نوعه عالميًا، حيث لم يسبق للبشر أن نجحوا في إعادة نوع منقرض بالكامل إلى الحياة البرية، مع الحفاظ على خصائصه الجينية والبيولوجية الفريدة. ويُتوقع أن يُحدث هذا الاكتشاف ثورة في:
برامج الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض.
إعادة التوازن البيئي في مناطق انقرضت فيها المفترسات الكبرى.
فهم أعمق لتطور الحيوانات والأنظمة الجينية القديمة.
تحديات وأبعاد أخلاقية
رغم الإنجاز العلمي الهائل، إلا أن المشروع لا يخلو من الجدل. فالكثير من علماء البيئة وخبراء الأخلاقيات الحيوية أعربوا عن مخاوفهم من التبعات غير المتوقعة لعودة كائنات منقرضة إلى الحياة، خصوصًا إذا ما تم إطلاقها في البيئات الطبيعية مجددًا.
كما أن بعض المختصين يرون أن الموارد والجهود المبذولة في إحياء الأنواع المنقرضة، قد يكون من الأفضل توجيهها نحو حماية الأنواع الحالية من الانقراض، في ظل التحديات البيئية المتفاقمة.
الخطوة القادمة.. أين سيعيش الذئب الرهيب؟
بحسب بيان الشركة، فإن الذئب الرهيب الذي تم استنساخه حاليًا يخضع لمراقبة طبية صارمة في مركز بحثي مغلق، ولا توجد نية فورية لإطلاقه في البرية. لكن على المدى البعيد، يأمل الفريق في بناء محميات بيئية محكومة تسمح للأنواع المُستعادة بالعيش في بيئة أقرب إلى موطنها الأصلي.
في الختام
إن إعادة الذئب الرهيب إلى الحياة بعد آلاف السنين، لم تعد خيالًا علميًا، بل واقعًا تحقّق في مختبرات العصر الحديث. وبينما يُثير هذا الإنجاز حماسة العلماء، إلا أنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات كبيرة حول دور الإنسان في تشكيل مستقبل الكوكب، وحدود التدخل في دورة الحياة الطبيعية.