لماذا نهى النبي ﷺ عن النُّهْبَى والمُثْلَة؟ تحذير نبوي عظيم يحفظ كرامة الإنسان وحقوقه!

في زمن كثرت فيه صور الاعتداء على الحقوق والحرمات، يُعيدنا حديث نبوي شريف إلى أصل عظيم من أصول الشريعة الإسلامية، التي جاءت لصيانة الكرامة الإنسانية والعدل بين الناس.
ففي صحيح البخاري، عن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه، قال:
“نهى النبي ﷺ عن النُّهْبَى والمُثْلَة.”
لكن ما معنى النُّهْبَى والمُثْلَة؟ ولماذا نهى عنهما النبي الكريم؟
أولًا: ما معنى النُّهْبَى؟
بيّن الدكتور أبو اليزيد سلامة، الباحث الشرعي بمشيخة الأزهر الشريف، أن “النُّهْبَى” تعني أخذ أموال الناس بغير رضاهم، اعتمادًا على القهر والقوة والاعتداء دون وجه حق، سواء في الحروب أو غيرها.
وهذا يشمل:
السرقة في الغفلة أو تحت التهديد. نهب الأموال في الفوضى. اغتصاب الحقوق بالقوة أو الحيلة. وهذا من كبائر الذنوب، لأنه ظلم فادح لا تقبله الشريعة.
ثانيًا: ما معنى المُثْلَة؟
أما “المُثْلَة”، فهي التمثيل بجسم الإنسان، سواء كان حيًا أو ميتًا، ويشمل:
قطع الأطراف. تشويه الجسد. إتلاف الحواس (مثل تعمد فقء العين أو قطع الأذن). وقد نهى النبي ﷺ عن المثلة لما فيها من: إهدار لكرامة الإنسان. تشويه للطبيعة البشرية التي خلقها الله في أحسن تقويم. نشر للرعب والوحشية في المجتمعات.
لماذا هذا النهي النبوي؟
يوضح الدكتور سلامة أن الحديث النبوي يحمل في طياته رسائل إنسانية وتشريعية عميقة، منها:
1. احترام الملكية الفردية
الإسلام حرم التعدي على أموال الناس واعتبر المال من الحرمات الثلاث إلى جانب الدم والعِرض.
2. تحريم الاعتداء على الناس
سواء بالقول أو الفعل أو بإلحاق الأذى الجسدي.
3. تعظيم الدماء والأموال والأعراض
والوقوف بحزم أمام أي نوع من أنواع الظلم أو الانتهاك.
4. تحريم السرقة والغصب والخيانة
وهذه كلها صور من النهب الذي نهى عنه النبي.
5. تحريم التمثيل بالناس أحياءً وأمواتًا
وهذا لا يجوز حتى مع الأعداء، إلا إذا كان قصاصًا مشروعًا بأمر القاضي، كما في قوله تعالى:
“وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ” [النحل: 126].
6. صيانة كرامة الإنسان
الإنسان مكرم في ذاته، وجسده له حرمة، فلا يجوز إهانته أو تشويهه لأي سبب.
في ضوء الحروب والصراعات اليوم…
يثير هذا الحديث تساؤلات مهمة حول سلوك الجيوش والمقاتلين في الحروب، إذ أن الإسلام حتى في حالة الحرب، وضع ضوابط صارمة:
لا يجوز التمثيل بجثث القتلى. لا يجوز نهب الممتلكات الخاصة دون وجه حق. لا يجوز الاعتداء على غير المقاتلين.
الإسلام دين العدالة والرحمة
هذا الحديث النبوي القصير، يلخص جوهر الشريعة الإسلامية في حماية النفس والمال والكرامة. فهو دعوة ضد الظلم، وضد كل صور التعدي، سواء في وقت السلم أو الحرب. كما يعكس مبادئ حقوق الإنسان التي سبق بها الإسلام كل المواثيق. فلا عجب أن النبي ﷺ نهى عن النهبى والمثلة، ليضع أخلاقًا راقية حتى في أحلك الظروف.