منوعات عامة

مكون طبيعي يخفض الدهون الثلاثية بشكل مذهل

في عالم الطب الحديث، لا يزال العلماء يكتشفون يومًا بعد يوم الفوائد المذهلة التي يمكن أن تقدمها المكونات الطبيعية لصحة الإنسان، خصوصًا في مجال أمراض القلب والأوعية الدموية. وفي هذا السياق، كشفت دراسة بريطانية حديثة عن مكون طبيعي بسيط متوفر في معظم المطابخ يمكنه أن يخفض مستوى الدهون الثلاثية في الدم بشكل ملحوظ، الأمر الذي أثار اهتمام الأطباء والباحثين حول العالم لما يمثله من بديل آمن وفعّال للأدوية الكيميائية التي قد تحمل آثارًا جانبية مزعجة.

تشير الدراسة، التي أُجريت في جامعة “إكستر” البريطانية ونُشرت في مجلة Nutrition & Metabolism، إلى أن الأوميغا-3 المستخلصة من زيت السمك الطبيعي لها تأثير واضح في خفض الدهون الثلاثية وتحسين توازن الدهون في الجسم. واعتمد الباحثون على عينة مكونة من أكثر من 300 شخص يعانون من ارتفاع في مستويات الدهون الثلاثية، وتم إعطاؤهم مكملات الأوميغا-3 بجرعات منتظمة لمدة 12 أسبوعًا. وبعد انتهاء المدة، لاحظ العلماء انخفاضًا بنسبة تجاوزت 35٪ في متوسط مستويات الدهون الثلاثية لدى المشاركين، مقارنة بمن لم يتناولوا المكملات.

الأوميغا-3 عبارة عن أحماض دهنية أساسية لا يستطيع الجسم إنتاجها بمفرده، وتوجد بشكل طبيعي في الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين والماكريل، إضافة إلى بذور الكتان والجوز وبعض أنواع الزيوت النباتية مثل زيت الكانولا. وتعمل هذه الأحماض على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية من خلال تقليل الالتهابات وتحسين مرونة الشرايين ومنع تراكم الدهون الضارة داخلها.

وأوضح الدكتور “مايكل روبرتسون”، المشرف على الدراسة، أن تأثير الأوميغا-3 لا يقتصر على خفض الدهون الثلاثية فحسب، بل يمتد إلى تعزيز وظائف الدماغ والحد من التهابات المفاصل ودعم الجهاز المناعي. كما أشار إلى أن النظام الغذائي الحديث يعاني من نقص كبير في هذه الأحماض الدهنية، بسبب قلة تناول الأسماك الطبيعية وكثرة الاعتماد على الأطعمة المعالجة والمقلية.

إلى جانب الأوميغا-3، سلطت الدراسة الضوء على مكون آخر لا يقل أهمية، وهو الثوم الطبيعي. فقد أظهرت أبحاث سابقة أن مركبات الكبريت الموجودة في الثوم تساعد على تنظيم مستويات الكوليسترول وتقليل الدهون الثلاثية عبر تحسين نشاط الإنزيمات المسؤولة عن استقلاب الدهون في الكبد. وبحسب دراسة أخرى أجريت في جامعة أكسفورد، فإن تناول فص واحد من الثوم النيء يوميًا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض تدريجي في الدهون الثلاثية بنسبة تصل إلى 20٪ خلال شهرين فقط.

كما أثبتت أبحاث متعددة أن الشاي الأخضر يحتوي على مضادات أكسدة قوية تُعرف باسم “الكاتيكينات” تساعد في خفض نسبة الدهون في الدم وتحسين حساسية الأنسولين، مما يسهم في الوقاية من أمراض القلب. في إحدى الدراسات التي أجريت في اليابان، وُجد أن الأشخاص الذين يشربون كوبين إلى ثلاثة أكواب من الشاي الأخضر يوميًا لديهم مستويات أقل من الدهون الثلاثية مقارنة بغيرهم بنسبة وصلت إلى 25٪.

ويؤكد الأطباء أن خفض الدهون الثلاثية لا يعتمد فقط على عنصر غذائي واحد، بل يحتاج إلى نظام غذائي متوازن يعتمد على تقليل السكريات البسيطة، وتجنب الزيوت المهدرجة، والإكثار من الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضروات والفواكه الطازجة. كما أن ممارسة الرياضة بانتظام، حتى لو كانت المشي السريع لمدة نصف ساعة يوميًا، تُعد من أهم الوسائل الطبيعية للحفاظ على توازن الدهون في الجسم.

وأشار الباحثون إلى أن الدهون الثلاثية تمثل خطرًا خفيًا لا يقل أهمية عن الكوليسترول الضار، فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية والسكتات الدماغية والتهابات البنكرياس. كما أنها تعتبر مؤشرًا رئيسيًا لمتلازمة الأيض التي تتضمن ارتفاع ضغط الدم والسمنة ومقاومة الأنسولين. لذلك فإن السيطرة على مستوياتها تعد خطوة أساسية نحو الحفاظ على الصحة العامة.

من جانب آخر، أوصى فريق الدراسة بإضافة ملعقة من زيت السمك الطبيعي أو زيت بذور الكتان يوميًا إلى النظام الغذائي، إذ يمكن أن توفر الكمية الكافية من الأوميغا-3 التي يحتاجها الجسم دون الحاجة إلى أدوية. كما نصحوا بتناول وجبتين من الأسماك الدهنية أسبوعيًا على الأقل لتحقيق نتائج ملموسة.

وفي تعليق على نتائج الدراسة، قال البروفسور “أندرو مورغان”، أستاذ علوم التغذية في جامعة لندن: “النتائج التي توصلنا إليها تؤكد أن الحلول الطبيعية لا تزال تتفوق في بعض الأحيان على الأدوية الكيميائية، فالأوميغا-3 مثلًا تعمل بطريقة فسيولوجية متكاملة لا تقتصر على خفض الدهون فحسب، بل تحسن صحة الجسم بأكمله”. وأضاف: “المثير للاهتمام أن المشاركين الذين تناولوا الأوميغا-3 لاحظوا أيضًا تحسنًا في مستويات الطاقة والمزاج العام، وهو ما يعكس الدور الحيوي لهذه الأحماض في وظائف الدماغ والجهاز العصبي”.

وفي نهاية الدراسة، شدد الباحثون على أهمية نشر الوعي الصحي حول خطورة إهمال الدهون الثلاثية، وضرورة اعتماد نمط حياة صحي يعتمد على الأطعمة الطبيعية الغنية بالعناصر المفيدة مثل الأوميغا-3 والثوم والشاي الأخضر، إلى جانب الابتعاد عن العادات الغذائية الضارة. وأكدوا أن النتائج التي تم الحصول عليها يمكن أن تغير الطريقة التي ينظر بها الأطباء إلى علاج اضطرابات الدهون في المستقبل، حيث بات من الواضح أن للطبيعة حلولًا فعالة وآمنة، لا تقل قوة عن العقاقير الطبية.

وهكذا، يثبت العلم مجددًا أن الطبيعة ما زالت تخبئ في مكوناتها البسيطة أسرارًا مذهلة لصحة الإنسان، وأن العودة إلى الغذاء الطبيعي ليست مجرد خيار صحي، بل هي استثمار طويل الأمد في الوقاية والعافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!