في عالم التغذية الطبيعية، يظل الشعير من أقدم وأغنى الحبوب التي عرفها الإنسان منذ آلاف السنين، ومع ذلك فإن فوائده الحقيقية ما زالت مجهولة لدى الكثيرين. الشعير ليس مجرد مكوّن يُستخدم في إعداد الخبز أو الشوربة، بل هو كنز غذائي متكامل يحمل في طياته علاجًا طبيعيًا لعدد من المشكلات الصحية، من أبرزها فقر الدم وضعف البشرة. وقد أظهرت دراسات حديثة أن تناول مشروب الشعير الطبيعي بانتظام يساعد في رفع مستويات الهيموغلوبين في الدم بشكل ملحوظ، إضافة إلى تحسين نضارة البشرة وجعلها ناعمة ومشرقة كالأطفال.
الشعير يحتوي على مجموعة مذهلة من العناصر الغذائية الضرورية للجسم، فهو غني بالحديد، الزنك، النحاس، المغنيسيوم، الفوسفور، والسيلينيوم، وجميعها عناصر تدخل بشكل مباشر في تكوين خلايا الدم الحمراء وتحسين الدورة الدموية. الحديد الموجود في الشعير يُعد من الأنواع سهلة الامتصاص نسبيًا، خصوصًا عندما يتم تناوله مع مصدر طبيعي لفيتامين C مثل عصير الليمون أو البرتقال، مما يضاعف امتصاصه في الأمعاء. هذا يعني أن تناول كوب من مشروب الشعير مع القليل من عصير الليمون يمكن أن يكون علاجًا فعالًا لفقر الدم الناتج عن نقص الحديد دون الحاجة إلى مكملات دوائية.
من الناحية العلمية، أوضحت دراسة منشورة في Journal of Medicinal Food عام 2021 أن مستخلص الشعير يحتوي على مركبات فينولية قوية ومضادات أكسدة تساهم في حماية خلايا الدم من الأكسدة وتحسين وظائف الكبد المسؤولة عن إنتاج البروتينات الدموية. كما تبين أن الشعير يحفز إنتاج الإريثروبويتين، وهو الهرمون الذي ينبه نخاع العظم لإنتاج خلايا دم جديدة، ما يؤدي إلى زيادة تدريجية في مستوى الهيموغلوبين.
ولا تتوقف فوائد الشعير عند دعم الدم فحسب، بل تمتد لتشمل تحسين مظهر البشرة وصحتها. فالشعير غني جدًا بفيتامينات المجموعة B، وخاصة فيتامين B3 وB6 اللذين يعززان تجدد خلايا الجلد ويحافظان على رطوبته وليونته. كما أن السيلينيوم الموجود في الشعير يعمل كمضاد أكسدة طبيعي قوي يساعد في تأخير ظهور التجاعيد وحماية خلايا الجلد من التلف الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية والتلوث البيئي.
وصفة الشعير التي يوصي بها خبراء التغذية بسيطة جدًا ويمكن تحضيرها في المنزل بسهولة. كل ما تحتاجين إليه هو نصف كوب من حبوب الشعير الكاملة و٣ أكواب من الماء. يُغسل الشعير جيدًا ثم يُغلى على نار هادئة لمدة ٢٠ دقيقة حتى يكتسب الماء لونًا مائلًا إلى الذهبي. بعد ذلك يُصفى ويُترك ليبرد، ويمكن إضافة ملعقة من العسل الطبيعي وملعقة صغيرة من عصير الليمون قبل شربه. يُفضل تناوله صباحًا على معدة فارغة أو مساءً قبل النوم للحصول على أقصى فائدة.
الانتظام في شرب هذه الوصفة لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع يؤدي إلى تحسن ملحوظ في الطاقة العامة واختفاء أعراض التعب والدوخة الناتجة عن فقر الدم. كما ستلاحظين بعد فترة وجيزة تحسنًا كبيرًا في ملمس البشرة، إذ يصبح الجلد أكثر ترطيبًا ونعومة بفضل المعادن والفيتامينات التي تغذي الخلايا من الداخل.
إضافة إلى ذلك، فإن الألياف القابلة للذوبان الموجودة في الشعير تساهم في تنقية الجسم من السموم وتحسين عمل الجهاز الهضمي، مما ينعكس إيجابًا على نضارة البشرة. فكلما كانت الأمعاء نظيفة وعملية الإخراج منتظمة، زادت قدرة الجسم على التخلص من الشوائب التي تؤدي إلى بهتان الوجه وظهور الحبوب.
كما أشارت دراسة أخرى صادرة عن المعهد الوطني للصحة العامة في اليابان عام 2020 إلى أن تناول مشروب الشعير يساعد في تنظيم مستويات السكر والكوليسترول في الدم، وهو ما يعزز من تدفق الدم إلى الجلد ويمنحه إشراقًا طبيعيًا دون الحاجة إلى مستحضرات تجميل.
ومن اللافت أن الشعير يحتوي أيضًا على مادة تسمى “الجلوتاثيون”، وهي من أقوى مضادات الأكسدة الطبيعية التي تعمل على توحيد لون البشرة وتفتيحها تدريجيًا عبر تقليل نشاط إنزيم التيروزيناز المسؤول عن إنتاج صبغة الميلانين. ولهذا السبب يُستخدم مستخلص الشعير في بعض كريمات تفتيح البشرة الطبيعية.
ينصح الأطباء بتناول الشعير المحمص أو مشروب الشعير المغلي ثلاث مرات أسبوعيًا، مع الحرص على تناول وجبات غذائية متوازنة تحتوي على الخضروات الورقية والفواكه الطازجة الغنية بفيتامين C لدعم امتصاص الحديد بشكل أفضل.
باختصار، يمكن القول إن الشعير ليس مجرد غذاء تقليدي، بل دواء طبيعي متكامل يقي من فقر الدم ويغذي البشرة من الداخل والخارج. وبدلًا من اللجوء إلى الأدوية الكيميائية، يمكن لمشروب بسيط من الشعير أن يكون حلك الطبيعي لاستعادة الحيوية والنضارة التي فقدها جسمك وبشرتك مع مرور الوقت.
فنجان من هذا المشروب كل يوم كفيل بأن يعيد إليك النشاط، ويمنح بشرتك النعومة والصفاء وكأنك طفلة من جديد.
