في زحمة رفوف السوبرماركت ووسط تنوع المنتجات الغذائية الجاهزة، قد لا يخطر ببالك أن وجبة سريعة أو جبنة طريّة قد تكون قنبلة بيولوجية موقوتة تتسلل إلى جسدك دون أن تشعر، لتُطلق بعدها هجومًا صامتًا على أمعائك، ثم دماغك، وقد تنتهي بك في العناية المركزة أو تفقد جنينك إذا كنتِ حاملًا.
هذا ليس سيناريو لفيلم رعب طبي… بل واقع أثبتته حالات مسجلة حديثًا في الولايات المتحدة، حيث أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عن تفشٍ خطير لبكتيريا الليستيريا، أصاب عشرة أشخاص على الأقل وأدى إلى سحب منتجات غذائية من الأسواق.
ما هي بكتيريا الليستيريا؟ ولماذا تُعد من أخطر أنواع العدوى الغذائية؟
تُعرف علميًا باسم الليستيريا المستوحدة (Listeria monocytogenes)، وهي نوع من البكتيريا التي تنتقل إلى الإنسان عبر تناول أطعمة ملوثة. تعيش هذه البكتيريا في التربة والمياه، ويمكن أن تلوث الخضروات، منتجات الألبان، اللحوم، وحتى الفواكه إذا لم تُغسل أو تُطهى جيدًا.
وتكمن خطورتها في أنها:
لا تموت بسهولة بالتبريد، بل تستطيع النمو داخل الثلاجات!
تُسبب أعراضًا قد تكون خفيفة عند الأصحاء، لكنها مميتة لدى الحوامل، والمسنين، وأصحاب المناعة الضعيفة. يمكنها الانتقال من الأمعاء إلى الدماغ، مُسببة التهاب السحايا أو تسمم الدم.
أعراض الليستيريا.. تظهر متأخرة ولكنها قاسية!
ما يجعل هذه العدوى خطيرة فعلاً، هو أنها لا تظهر فورًا بعد تناول الطعام الملوث، بل قد تتأخر من يومين إلى أسبوعين، وفي بعض الحالات حتى شهر كامل، مما يصعب من اكتشافها مبكرًا.
الأعراض الأولية (الهضمية والمشابهة للإنفلونزا):
حمى
قشعريرة
غثيان وقيء
إسهال
تعب عام
صداع وآلام عضلية
إذا تطورت العدوى:
فقدان التوازن
تصلب الرقبة
نوبات تشنج
ارتباك ذهني
أعراض عصبية شديدة
خطر مضاعف على النساء الحوامل:
قد لا تظهر عليهن أعراض واضحة،
ولكن العدوى تنتقل إلى الجنين، مما قد يؤدي إلى:
إجهاض
ولادة جنين ميت
مشاكل صحية مزمنة للطفل
قائمة الأطعمة “الخطرة”.. ماذا يجب أن تتجنب؟
هذه الأطعمة رغم شيوعها، إلا أنها تُعد من أبرز الحوامل لبكتيريا الليستيريا:
اللحوم الباردة والهوت دوج (خصوصًا غير المطهية جيدًا)
اللحوم المهروسة ومُدهنات اللحوم
الأسماك المدخنة باردة مثل السلمون المدخن
الجبن الطري (مثل الفيتا، البري، الكاممبير، الريكوتا)
الحليب ومنتجات الألبان غير المبسترة
الآيس كريم محلي الصنع بدون بسترة
عصائر الفاكهة غير المبسترة
الفواكه والخضروات النيئة وغير المغسولة جيدًا
السوشي النيء
مضاعفات قد تدمر أعضاءك الحيوية!
إذا تمكنت الليستيريا من تجاوز الجهاز الهضمي، فقد تبدأ في مهاجمة أعضاء حيوية، مما يسبب:
التهاب الدماغ أو السحايا (وقد يؤدي إلى الوفاة)
التهاب القلب أو صماماته
تسمم الدم
التهاب الرئة
التهاب العظام أو المفاصل
التهابات بولية شديدة
مشاكل دائمة في الجهاز العصبي
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
رغم إمكانية إصابة أي شخص، إلا أن بعض الفئات أكثر هشاشة أمام هذه البكتيريا، وهم:
النساء الحوامل
حديثو الولادة
كبار السن (فوق 65 عامًا)
مرضى السكري أو السرطان
من يخضعون لعلاج مناعي أو زراعة أعضاء
أصحاب الأمراض المزمنة أو المناعة الضعيفة
هل الليستيريا معدية؟
على عكس الكثير من أنواع البكتيريا، الليستيريا لا تنتقل من شخص لآخر. الإصابة تحدث فقط عن طريق تناول الطعام الملوث، وهو ما يجعل السيطرة على مصدر التلوث أمرًا بالغ الأهمية.
طرق الوقاية الفعالة.. هكذا تحمي نفسك وعائلتك
للوقاية من هذه العدوى الصامتة والقاتلة، ينصح الخبراء باتباع إرشادات السلامة التالية:
1. تجنب منتجات الألبان غير المبسترة تمامًا
2. غسل اليدين جيدًا قبل وبعد إعداد الطعام
3. تنظيف الفواكه والخضراوات بالماء الجاري والفرشاة
4. طبخ الأطعمة جيدًا حتى تصل حرارة 74 درجة مئوية على الأقل
5. تجنب تناول اللحوم الباردة أو السوشي النيء، خاصة خلال الحمل
6. تنظيف الثلاجة باستمرار، خصوصًا أي سوائل مسكوبة من اللحوم
رسالة تحذيرية.. لا تتهاون مع طعامك، فالبكتيريا لا ترحم!
رغم التقدم الطبي، لا تزال السلامة الغذائية هي خط الدفاع الأول ضد الأمراض التي قد تقلب حياة الإنسان رأسًا على عقب. إن وجبة سريعة أو طعام غير مُبستر قد يكون كافيًا لجعل إنسان يدخل المستشفى لأيام، أو لتفقد أم جنينها في لحظة لم تكن بالحسبان.
فاجعل من وعيك الغذائي درعًا وقائيًا لك ولمن تحب، فصحتك تبدأ مما تأكله، وقد تنتهي بما لم تنتبه له.
