أقتراحات عامة

كارثة تهدد الصحة… مشروب يومي يتناوله الكثيرون يذيب الكالسيوم من العظام تدريجياً… ويعرض الجسم للهشاشة دون أن تشعر !!

العظام هي الدعامة الأساسية لجسم الإنسان فهي التي تمنحنا القدرة على الحركة والاستقرار وتحمي الأعضاء الحيوية من الصدمات والخطر. ومع تقدم العمر أو بسبب أنماط الحياة غير الصحية قد تتعرض العظام لتدهور تدريجي يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل هشاشة العظام والكسور المتكررة وفقدان القدرة على الحركة. لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هناك مشروباً يومياً يستهلكه الملايين حول العالم دون وعي يشكل تهديداً مباشراً لصحة العظام إذ يعمل ببطء على إذابة الكالسيوم منها وتقليل كثافتها بشكل صامت قد لا يظهر إلا بعد سنوات.

الدراسات الطبية الحديثة حذرت بشكل واضح من الإفراط في استهلاك المشروبات الغازية وخاصة تلك التي تحتوي على نسب عالية من الكافيين وحمض الفوسفوريك. فهذه المكونات تؤثر بشكل مباشر على توازن الكالسيوم والفوسفور في الجسم حيث يقوم حمض الفوسفوريك بإحداث خلل في نسبة المعادن في الدم مما يدفع الجسم لتعويض النقص من خلال سحب الكالسيوم المخزن في العظام والأسنان. وبذلك تتحول العظام تدريجياً إلى كتلة هشة ضعيفة قابلة للكسر بسهولة.

واحدة من الدراسات الشهيرة التي نشرت في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية أشارت إلى أن النساء اللواتي يتناولن المشروبات الغازية بشكل يومي كن أكثر عرضة للإصابة بانخفاض كثافة العظام في منطقة الورك بنسبة تصل إلى 4 بالمئة مقارنة بالنساء اللواتي لا يستهلكنها. هذه النسبة تبدو بسيطة على الورق لكنها على أرض الواقع تمثل خطراً كبيراً لأنها تزيد من احتمالية الكسور بشكل مضاعف خصوصاً بعد سن الخمسين.

كما وجدت دراسات أخرى أن المشروبات الغازية تؤثر بشكل خاص على امتصاص الكالسيوم في الأمعاء حيث يتعارض الكافيين الموجود فيها مع عملية الامتصاص الطبيعية مما يقلل من استفادة الجسم من الكالسيوم المتناول عبر الغذاء. والأسوأ أن الكثير من الأشخاص يستبدلون الحليب أو العصائر الطبيعية بهذه المشروبات مما يحرم الجسم من مصادر غنية بالكالسيوم الضروري لنمو العظام.

منظمة الصحة العالمية أصدرت توصيات صارمة تدعو إلى الحد من استهلاك المشروبات الغازية لما لها من أضرار متعددة لا تقتصر على العظام فقط بل تمتد إلى السمنة وأمراض القلب والسكري. لكن الجانب الصامت المتعلق بالعظام يعتبر الأخطر لأنه يتطور ببطء ودون أعراض واضحة حتى يحدث الكسر أو تبدأ علامات هشاشة العظام في الظهور.

إضافة إلى المشروبات الغازية فإن الإفراط في شرب المشروبات الغنية بالكافيين مثل القهوة ومشروبات الطاقة له دور مشابه في تسريع فقدان الكالسيوم. فالكافيين يزيد من إدرار البول مما يؤدي إلى فقدان كميات إضافية من الكالسيوم مع البول. وهذا التأثير يصبح أخطر عند الأشخاص الذين لا يحصلون على كميات كافية من الكالسيوم من الغذاء اليومي.

الحل لا يكمن فقط في التوقف عن هذه المشروبات بل أيضاً في تعزيز النظام الغذائي بمصادر غنية بالكالسيوم وفيتامين د. الحليب ومشتقاته مثل الجبن واللبن تعد مصادر أساسية لهذا المعدن الحيوي. كما أن الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين غنية بالكالسيوم وفيتامين د الذي يساعد على امتصاصه. التعرض لأشعة الشمس بانتظام أيضاً يلعب دوراً محورياً في تحفيز إنتاج فيتامين د في الجسم.

الرياضة تمثل عاملاً آخر لا يقل أهمية عن الغذاء. فممارسة التمارين التي تعتمد على حمل الأوزان أو المشي السريع تحفز العظام على زيادة الكثافة المعدنية. الدراسات أوضحت أن الأشخاص الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام يتمتعون بعظام أكثر قوة وأقل عرضة للهشاشة مقارنة بالأشخاص الخاملين.

من الناحية الطبية ينصح الأطباء بإجراء فحوصات دورية لكثافة العظام خاصة بعد سن الأربعين لدى النساء وبعد سن الخمسين لدى الرجال. هذه الفحوصات تساعد على اكتشاف أي تراجع في صحة العظام في مراحله المبكرة مما يتيح فرصة التدخل بالعلاج الغذائي أو الدوائي قبل حدوث الكسور.

الأطباء يحذرون أيضاً من اتباع الحميات القاسية التي تحرم الجسم من العناصر الغذائية الأساسية. فالكالسيوم لا يمكن تعويضه بسهولة بعد فقدانه لأن العظام تفقد قدرتها على إعادة البناء بكفاءة بعد سن معينة. وبالتالي فإن أي سلوك غذائي خاطئ في الشباب سينعكس بقوة في منتصف العمر وما بعده.

باختصار المشروب اليومي الذي يذيب الكالسيوم من العظام ليس سوى المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والمشروبات الغنية بالكافيين عند استهلاكها بكميات كبيرة ومنتظمة. ورغم لذتها وانتشارها إلا أنها تمثل خطراً صامتاً على الصحة لا يقل خطورة عن التدخين أو السمنة.

الوقاية الحقيقية تبدأ من الوعي بخطورة هذه العادة واستبدالها بمشروبات طبيعية وصحية مثل الماء والعصائر الطازجة والشاي الأخضر. هذه البدائل لا توفر فقط الحماية للعظام بل تمنح الجسم ترطيباً أفضل وتساعد في تحسين عمل القلب والجهاز الهضمي.

يمكن القول إن العظام هي الاستثمار الحقيقي للمستقبل وكل سلوك غذائي اليوم سينعكس على صحتها غداً. وإذا استمر الاعتماد على المشروبات الغازية بشكل مفرط فقد نجد أنفسنا أمام جيل يعاني من هشاشة عظام مبكرة وضعف حركي كبير وهو ما يشكل عبئاً صحياً واقتصادياً على المجتمعات. لذا فالمسؤولية تقع على الأفراد والأسر والمؤسسات الصحية للتوعية بخطورة هذه الكارثة الصامتة والعمل على تغيير أنماط الحياة لصالح مستقبل صحي أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!