أقتراحات عامة

العلماء مذهولون… عشبة عربية منسية توازن سكر الدم وتمنع مضاعفات السكري الخطيرة

مرض السكري من النوع الثاني أصبح من أكثر التحديات الصحية في العالم، إذ تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أعداد المصابين تجاوزت 500 مليون إنسان على مستوى العالم. هذا المرض المزمن لا يقتصر على ارتفاع مستويات السكر في الدم، بل يرتبط بمضاعفات خطيرة تشمل أمراض القلب والشرايين والفشل الكلوي وضعف النظر وتلف الأعصاب. وبينما يعتمد معظم المرضى على الأدوية المنظمة للسكر أو حقن الأنسولين، فإن الأبحاث الحديثة بدأت تركز على دور الأغذية والأعشاب الطبيعية في تحسين توازن الجلوكوز في الدم والوقاية من المضاعفات.

المفاجأة جاءت مؤخراً عندما أعاد فريق من الباحثين العرب والأجانب تسليط الضوء على عشبة عربية منسية كانت تستعمل قديماً في الطب التقليدي في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، حيث كانت توصف لعلاج التعب والعطش المفرط ومشكلات الهضم. هذه العشبة تعرف باسم الحلبة، ورغم أنها متوفرة في الأسواق ومتعارف عليها كمكون غذائي، إلا أن الدراسات العلمية الحديثة كشفت أسراراً مذهلة عن فعاليتها في توازن مستويات السكر في الدم وتقليل أخطار السكري.

تشير دراسة نُشرت في مجلة الأبحاث الطبية النباتية عام 2022 إلى أن بذور الحلبة تحتوي على مركب نشط يسمى جالاكتومانان، وهو نوع من الألياف الذائبة التي تبطئ امتصاص الكربوهيدرات في الأمعاء. هذا التأثير يساهم في منع الارتفاع المفاجئ لمستويات الجلوكوز بعد الوجبات. كما تحتوي الحلبة على مادة تسمى 4 هيدرو إيزوليوسين، وهي حمض أميني له دور مهم في تحفيز إفراز الأنسولين من البنكرياس، مما يساعد في تحسين استخدام الجلوكوز من قبل الخلايا.

وفي دراسة سريرية أخرى أجريت في الهند على 60 مريضاً بالسكري من النوع الثاني، تم إعطاء المشاركين مسحوق بذور الحلبة بجرعة يومية ثابتة لمدة ثلاثة أشهر. النتائج أظهرت انخفاضاً ملحوظاً في مستويات سكر الدم الصائم وبعد الوجبات، بالإضافة إلى انخفاض معدل السكر التراكمي بنسبة وصلت إلى 1.2 بالمئة، وهو رقم معتبر في الطب السريري. كما لاحظ الباحثون انخفاضاً في مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول الضار، مما يشير إلى أن الحلبة لا توازن سكر الدم فحسب، بل تحمي القلب والأوعية الدموية من المضاعفات المرتبطة بالسكري.

ولم يقتصر الاهتمام على الباحثين الآسيويين فقط، بل أبدت الجامعات الغربية اهتماماً كبيراً بفعالية الحلبة. ففي جامعة هارفارد الأمريكية نشرت ورقة بحثية عام 2021 تؤكد أن دمج الحلبة ضمن النظام الغذائي اليومي للمرضى ساعد على تحسين حساسية الأنسولين لديهم وخفض الالتهابات المزمنة التي تعد من أبرز أسباب مضاعفات السكري. كما أظهرت الدراسات الحيوانية أن مستخلص الحلبة يحمي الكلى والكبد من التلف الناتج عن ارتفاع السكر المزمن.

ومن اللافت أن الحلبة تمتلك خصائص متعددة تجعلها فريدة من نوعها. فهي غنية بالألياف التي تعزز الشبع وتساعد على ضبط الوزن، وهو أمر أساسي لمرضى السكري الذين يعانون من السمنة. كما أنها تحتوي على مضادات أكسدة قوية تقلل من الإجهاد التأكسدي الذي يلعب دوراً في تلف الأوعية الدموية والأعصاب. وبذلك يمكن القول إن الحلبة تقدم حماية شاملة ضد معظم المضاعفات التي يخشاها مرضى السكري.

أما من الناحية العملية، فإن طرق استخدام الحلبة متعددة وسهلة. بعض الدراسات توصي بتناولها مطحونة مع كوب من الماء الدافئ صباحاً، بينما يشير خبراء آخرون إلى أن نقع بذور الحلبة في الماء طوال الليل وشربها في الصباح قد يمنح نتائج فعالة. كما يمكن إضافتها إلى الأطعمة مثل الخبز أو السلطات أو حتى كتوابل للوجبات اليومية.

ورغم هذه الفوائد الكبيرة، يحذر الأطباء من الإفراط في استخدامها خاصة للحوامل أو للأشخاص الذين يتناولون أدوية خافضة للسكر، حيث قد يؤدي الجمع بين الاثنين إلى انخفاض مفرط في مستويات الجلوكوز. لذلك ينصح دائماً باستشارة الطبيب قبل إدخالها بانتظام في النظام الغذائي العلاجي.

ما يثير الدهشة أن هذه العشبة التي أهملها الناس طويلاً وكانت تعتبر مجرد مكون شعبي بسيط، تعود اليوم لتتصدر الأبحاث الطبية العالمية كواحدة من أبرز الحلول الطبيعية المساندة في علاج السكري. الخبراء يرون أن دمجها مع نظام غذائي متوازن ونمط حياة صحي قد يقلل بشكل كبير من الحاجة إلى الأدوية أو يؤخر ظهور المضاعفات الخطيرة.

ويؤكد الأطباء أن الحلبة لا تمثل علاجاً سحرياً بديلاً عن الدواء، لكنها تقدم قيمة مضافة حقيقية للمرضى. فهي تعزز عمل الأنسولين، توازن امتصاص السكر، تحمي القلب والكبد والكلى، وتقلل من الالتهابات، وكلها عوامل تجعلها أداة فعالة في يد المريض لإدارة مرضه بذكاء.

إن ما كشفته هذه الدراسات يمثل دعوة جادة للعودة إلى الطبيعة وإعادة النظر في الأعشاب التي اعتاد عليها أجدادنا. فالكثير من هذه النباتات تحمل أسراراً لم يكشفها العلم إلا في السنوات الأخيرة. وفي ظل الارتفاع المستمر في معدلات الإصابة بالسكري عالمياً، فإن الاستفادة من الحلول الطبيعية إلى جانب الطب الحديث قد تكون طوق النجاة للملايين.

يمكن القول إن الحلبة هي مثال حي على أن الطبيعة ما زالت تحتفظ بأسرار ثمينة لصحة الإنسان. ومع تزايد الأدلة العلمية يوماً بعد يوم، فإن هذه العشبة العربية المنسية تستعيد مكانتها كعنصر مهم في محاربة السكري، ليس فقط للسيطرة على مستويات السكر، بل أيضاً لحماية المريض من المضاعفات التي قد تهدد حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!