دراسة تكشف أن السمنة قد تقضي على أمل الإنجاب عند ملايين الرجال

في السنوات الأخيرة، لم يعد الحديث عن السمنة مقتصرًا على المظهر الخارجي أو زيادة الوزن فقط، بل تحوّل إلى قضية صحية عالمية تهدد مختلف أجهزة الجسم. الجديد هذه المرة أن الدراسات الحديثة دقت ناقوس الخطر: السمنة لا تؤدي فقط إلى أمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم، بل قد تحرم ملايين الرجال من حلم الأبوة، عبر تدمير قدرتهم الإنجابية بشكل صادم.
أولاً: ماذا تقول الدراسة؟
في بحث ضخم نشرته مجلة “Human Reproduction” المتخصصة، وجد العلماء أن الرجال الذين يعانون من السمنة المفرطة معرضون لانخفاض واضح في عدد الحيوانات المنوية، إضافة إلى تراجع جودتها وقدرتها على تخصيب البويضة.
الدراسة التي شملت أكثر من 40 ألف رجل من مختلف أنحاء العالم أظهرت أن:
الرجال الذين تزيد أوزانهم عن المعدل الطبيعي بنسبة 20% يعانون من انخفاض بنسبة 25% في عدد الحيوانات المنوية.
السمنة مرتبطة بزيادة نسبة الحيوانات المنوية المشوهة، مما يقلل من فرص الحمل الطبيعي.
ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI) يرتبط مباشرةً بزيادة مشاكل العقم لدى الذكور.
ثانياً: كيف تؤثر السمنة على الخصوبة؟
العلماء يوضحون أن التأثيرات لا تأتي فقط من الوزن الزائد، بل من التغيرات الهرمونية والالتهابات المزمنة التي تصاحب السمنة.
1. اختلال الهرمونات:
السمنة تقلل من مستوى هرمون التستوستيرون، المسؤول عن إنتاج الحيوانات المنوية والرغبة الجنسية.
في المقابل، ترتفع مستويات هرمون الإستروجين (الهرمون الأنثوي)، ما يربك التوازن الطبيعي.
2. ارتفاع حرارة الخصيتين:
تراكم الدهون حول منطقة الفخذ يرفع حرارة الخصيتين.
هذه الحرارة الزائدة تؤثر سلبًا على إنتاج الحيوانات المنوية وجودتها.
3. الالتهابات المزمنة:
السمنة تزيد من الالتهابات في الجسم، ما يؤدي إلى تلف الخلايا المسؤولة عن إنتاج الحيوانات المنوية.
4. ضعف الانتصاب:
السمنة تزيد احتمالية الإصابة بمشاكل الأوعية الدموية ومرض السكري، وهما سببان رئيسيان في ضعف الانتصاب.
ثالثاً: أبعاد المشكلة عالميًا
السمنة اليوم لم تعد استثناء، بل أصبحت ظاهرة عالمية:
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 650 مليون شخص بالغ حول العالم يعانون من السمنة.
في العالم العربي، تتضاعف المشكلة بسبب قلة الحركة والاعتماد الكبير على الوجبات السريعة.
الدراسات تتوقع أن واحدًا من كل 3 رجال في المنطقة العربية قد يواجه مشاكل في الخصوبة خلال العقود القادمة بسبب السمنة.
رابعاً: تداعيات كارثية على الأسرة والمجتمع
ارتفاع نسب العقم: قد يؤدي إلى زيادة الطلب على تقنيات التلقيح الصناعي والحقن المجهري.
تكاليف اقتصادية ضخمة: علاج العقم مكلف للغاية، ما يشكل عبئًا على الأسر وأنظمة الرعاية الصحية.
أزمات نفسية واجتماعية: العقم عند الرجل قد يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، يؤدي أحيانًا إلى مشاكل زوجية وانفصال.
انخفاض معدلات المواليد: ما قد يهدد التوازن السكاني في بعض الدول.
خامساً: هل يمكن عكس التأثيرات؟
الخبر السار أن الأبحاث تشير إلى أن فقدان الوزن قد يُعيد الخصوبة إلى مسارها الطبيعي.
دراسة أجريت في الدنمارك وجدت أن الرجال الذين فقدوا ما يقارب 10% من وزنهم خلال عام واحد، شهدوا زيادة بنسبة 50% في عدد الحيوانات المنوية.
ممارسة الرياضة بانتظام تعيد التوازن الهرموني وتحسن الدورة الدموية.
النظام الغذائي الغني بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة يعزز صحة الجهاز التناسلي.
سادساً: نصائح عملية لحماية خصوبة الرجال
1. تجنب السمنة من الأساس: الحفاظ على مؤشر كتلة جسم بين 18.5 و25.
2. ممارسة النشاط البدني: 30 دقيقة يوميًا من المشي أو الرياضة المعتدلة.
3. الغذاء المتوازن: الإكثار من الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة مثل التوت، المكسرات، والخضروات الورقية.
4. الإقلاع عن التدخين والكحول.
5. النوم الجيد وتقليل التوتر.
6. فحوصات دورية: للتأكد من صحة الخصوبة وهرمونات الذكورة.
سابعاً: صدمة المجتمعات العربية
في العالم العربي، حيث يعتبر الإنجاب قيمة أساسية في الزواج والحياة الأسرية، يشكل هذا التحذير العالمي جرس إنذار قوي.
كثير من الرجال يتجاهلون أوزانهم الزائدة، معتبرين أنها “كرش رجولة”
بينما الحقيقة أن الكرش قد يكون سببًا مباشرًا في حرمان الرجل من أعظم نعمة، وهي الأبوة.
ثامناً: رأي الأطباء والخبراء
الدكتور أحمد سلامة، استشاري أمراض الذكورة، يقول:
“لا يمكننا أن ننكر العلاقة الواضحة بين السمنة والعقم عند الرجال. كلما زاد وزن المريض، زادت احتمالية ضعف الحيوانات المنوية.”
الدكتورة لمياء علي، أخصائية التغذية، تضيف:
“السمنة ليست قضاءً محتومًا، بل نمط حياة يمكن تغييره. مجرد التوقف عن الوجبات السريعة والمشروبات الغازية قد يحدث فرقًا كبيرًا.”
تاسعاً: المستقبل بين الخطر والأمل
رغم التحذيرات المروعة، ما زالت الفرصة قائمة أمام الرجال لتغيير مسارهم الصحي.
التوجه نحو الوقاية بدلاً من انتظار العلاج.
الاهتمام بالصحة الإنجابية كجزء من الصحة العامة.
دعم الحكومات لبرامج التوعية والوقاية من السمنة.
السمنة لم تعد مجرد زيادة وزن، بل تهديد صريح لمستقبل الإنجاب عند ملايين الرجال حول العالم. التحذير اليوم واضح وصريح: إذا لم نتحرك سريعًا للسيطرة على هذه الظاهرة، فقد نجد أنفسنا أمام أزمة خصوبة عالمية غير مسبوقة.
السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيتعامل الرجال مع هذه الرسالة بجدية، أم سيتركون الزمن يحكم ويكتشفون الكارثة بعد فوات الأوان؟