عادة يفعلها الجميع قبل النوم مباشرة تدمر الرئتين بصمت

يتجاهل الكثير من الناس العادات اليومية البسيطة التي يظنون أنها غير مؤذية، لكنها في الحقيقة قد تترك آثارًا صحية خطيرة على المدى الطويل. وفي السنوات الأخيرة، تزايدت التحذيرات الطبية من بعض السلوكيات المتكررة التي يقوم بها أغلب الأفراد قبل النوم دون إدراك عواقبها، ومن أبرز هذه العادات تلك التي ترتبط بصحة الجهاز التنفسي. الرئتان هما المسؤولتان عن تزويد الجسم بالأوكسجين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون، وأي ضرر يصيبهما ينعكس بشكل مباشر على صحة القلب والدماغ وسائر أعضاء الجسم.
إحدى العادات التي قد تبدو مألوفة وبريئة، مثل استخدام الهاتف المحمول في السرير مع إطفاء الإضاءة والتعرض للغبار أو التدخين السلبي، يمكن أن تدمر صحة الرئتين ببطء وصمت، مما يجعل الأمر يحتاج إلى وعي أكبر ونمط حياة أكثر صحة.
أولًا: لماذا الرئتان حساسة جدًا تجاه العادات اليومية؟
الرئتان تحتويان على ملايين الحويصلات الهوائية الدقيقة التي تسمح بتبادل الغازات. هذه الحويصلات شديدة الحساسية تجاه أي عوامل خارجية مثل الغبار، الدخان، العفن، وحتى بعض المواد الكيميائية الخفية. ومع مرور الوقت، يمكن أن تتراكم الملوثات داخل الشعب الهوائية، مسببة التهابات مزمنة أو انسداد تدريجي يؤثر على التنفس.
دراسة نشرت في المجلة الأوروبية لأمراض الجهاز التنفسي عام 2021 أظهرت أن التعرض المتكرر للملوثات داخل المنزل، خاصة قبل النوم حين يكون التنفس أعمق وأطول، يضاعف خطر الإصابة بالربو المزمن والتهاب الشعب الهوائية بنسبة تصل إلى 40%.
ثانيًا: العادة الأخطر قبل النوم – التدخين أو استنشاق الدخان السلبي
من أكثر العادات شيوعًا وخطورةً تدخين السجائر أو النارجيلة (الشيشة) قبل النوم مباشرة. فالتدخين يزيد من ترسيب القطران والمواد الكيميائية داخل الرئتين في وقت يكون فيه الجسم بحاجة إلى الراحة والتنظيف الذاتي.
أظهرت دراسة في المعهد الوطني للصحة الأمريكي أن التدخين قبل النوم يقلل من كفاءة عملية التنفس العميق، ويؤدي إلى تراكم السموم بدلًا من التخلص منها.
المدخنون الذين يمارسون هذه العادة قبل النوم يعانون من السعال الليلي والاختناق أكثر من غيرهم بنسبة 70%.
حتى غير المدخنين، إذا تعرضوا لدخان السجائر من شخص آخر في المنزل (التدخين السلبي)، فإنهم معرضون للإصابة بنفس المخاطر تقريبًا.
ثالثًا: استخدام الهاتف المحمول في السرير وتأثيره غير المباشر على الرئتين
قد يظن البعض أن استخدام الهاتف لا علاقة له بالرئتين، لكن الحقيقة مختلفة.
عند الاستلقاء على السرير واستخدام الهاتف لفترات طويلة، يتغير وضع التنفس ويصبح التنفس سطحيًا وغير عميق.
قلة النوم الناتجة عن إدمان الهاتف تؤثر على جهاز المناعة، وتجعل الرئتين أقل قدرة على مقاومة الالتهابات والفيروسات.
الضوء الأزرق المنبعث من شاشة الهاتف يسبب اضطرابًا في إفراز هرمون الميلاتونين، ما يؤدي إلى ضعف في عملية إصلاح الأنسجة، بما في ذلك أنسجة الرئة.
دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2019 وجدت أن الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم في السرير لأكثر من ساعة قبل النوم يعانون من ضعف وظائف الرئة بنسبة 25% مقارنة بغيرهم.
رابعًا: النوم في بيئة ملوثة بالأتربة أو العفن
من العادات الأخرى التي تدمر الرئتين بصمت النوم في غرفة سيئة التهوية أو تحتوي على عفن ورطوبة.
الأتربة المحمولة في الهواء تترسب في الشعب الهوائية وتسبب التهابات مزمنة.
العفن يفرز مواد تُسمى الميكوتوكسينات، وهذه المركبات خطيرة على الرئة وتزيد من احتمالية الإصابة بالحساسية والربو.
دراسة في المجلة الطبية البريطانية BMJ أشارت إلى أن النوم المستمر في غرفة تحتوي على العفن يزيد من مشاكل الجهاز التنفسي بنسبة 55%.
خامسًا: عادة أكل وجبات ثقيلة ودهنية قبل النوم وتأثيرها على التنفس
قد لا يتوقع الكثيرون أن للأكل قبل النوم علاقة مباشرة بصحة الرئتين، لكن الامتلاء الشديد بالمعدة يضغط على الحجاب الحاجز، مما يقلل من كفاءة التنفس أثناء النوم.
الأشخاص الذين يتناولون وجبات غنية بالدهون قبل النوم يعانون من الارتجاع الحمضي، وهذا يؤدي إلى صعود أحماض المعدة إلى مجرى التنفس وإحداث تهيج في القصبة الهوائية والرئة.
الارتجاع المزمن من أكثر أسباب السعال الليلي وضيق التنفس.
سادسًا: أفضل النصائح لتجنب تدمير الرئتين قبل النوم
1. الامتناع عن التدخين قبل النوم بشكل كامل، ومحاولة جعل المنزل خاليًا من التدخين السلبي.
2. إيقاف استخدام الهاتف قبل ساعة على الأقل من النوم، لتعزيز التنفس العميق وتحسين جودة النوم.
3. تهوية الغرفة يوميًا وتنظيف الفراش والستائر والسجاد لتقليل الغبار والعفن.
4. تجنب الأكل الثقيل قبل النوم، والاكتفاء بوجبات خفيفة تساعد على التنفس المريح.
5. ممارسة تمارين التنفس العميق أو اليوغا قبل النوم لدعم وظائف الرئة.
6. شرب كوب من الماء الفاتر يساعد على ترطيب الشعب الهوائية ومنع الجفاف.
صحة الرئتين لا تُقدَّر بثمن، وأي ضرر يصيبهما قد يترك أثرًا طويل الأمد على كامل الجسم. إن العادات البسيطة التي نفعلها قبل النوم قد تكون أخطر مما نتوقع، بدءًا من التدخين السلبي، مرورًا باستخدام الهاتف بشكل مفرط، وانتهاءً بالنوم في بيئة غير صحية. والوقاية دائمًا خير من العلاج، لذا فإن إدراك هذه المخاطر وتغيير نمط الحياة قد يكون الخطوة الأهم للحفاظ على رئتين سليمتين مدى الحياة.