فقر الدم واحد من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً حول العالم، إذ تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من ربع سكان العالم يعانون بدرجات مختلفة من الأنيميا. السبب الأكثر انتشاراً هو نقص الحديد، لكنه ليس الوحيد، إذ قد يرتبط فقر الدم أيضاً بنقص فيتامين ب12 أو حمض الفوليك أو مشكلات امتصاص في الجهاز الهضمي. هذه الحالة تؤثر بشكل مباشر على حياة المريض اليومية لأنها تقلل من قدرة الدم على نقل الأكسجين، مما يسبب التعب، شحوب الوجه، ضيق التنفس، ضعف التركيز، وتسارع ضربات القلب.
الخبر المفرح أن بعض الأغذية الطبيعية، وخاصة بعض أنواع البذور، يمكن أن تكون سلاحاً فعالاً في رفع مستوى الهيموغلوبين وتعزيز إنتاج كريات الدم الحمراء، وذلك بفضل غناها بالحديد والمعادن والفيتامينات الضرورية لعملية تكوين الدم. ومن أبرز هذه البذور التي لفتت انتباه الباحثين بذور السمسم وبذور اليقطين وبذور الكتان.
بذور السمسم ودورها في علاج فقر الدم
بذور السمسم من أقدم الأغذية التي استُخدمت في الطب التقليدي لعلاج حالات الضعف العام. تحتوي هذه البذور الصغيرة على نسبة مرتفعة من الحديد النباتي تصل إلى حوالي 15 ملغ لكل 100 غرام، وهي كمية تقترب من الاحتياج اليومي للبالغين.
بالإضافة إلى الحديد، يحتوي السمسم على النحاس وهو عنصر ضروري لإنتاج الهيموغلوبين.
كما أنه غني بمضادات الأكسدة مثل السيسامول والسيسامين التي تحمي كريات الدم الحمراء من التلف.
دراسة نشرت في مجلة Biological Trace Element Research عام 2010 أشارت إلى أن استهلاك بذور السمسم بانتظام أدى إلى تحسن ملحوظ في مستوى الهيموغلوبين عند الأطفال المصابين بالأنيميا.
بذور اليقطين مصدر مركز للحديد والزنك
بذور اليقطين أو اللب الأبيض ليست مجرد وجبة خفيفة، بل هي مخزن حقيقي للعناصر الغذائية المهمة.
كل 100 غرام من بذور اليقطين تحتوي على حوالي 8.8 ملغ من الحديد.
تحتوي أيضاً على نسبة عالية من الزنك والمغنيسيوم، وهما عنصران يدعمان إنتاج خلايا الدم الحمراء ويحسنان كفاءة جهاز المناعة.
بحث نشر في Journal of Food Science and Technology عام 2014 أكد أن إدخال بذور اليقطين في النظام الغذائي للأطفال قلل من معدلات الأنيميا وزاد من كثافة الدم لديهم.
بذور الكتان وفوائدها الإضافية
رغم أن بذور الكتان ليست الأعلى من حيث محتوى الحديد مقارنة بالسمسم أو اليقطين، إلا أنها تتميز بأنها غنية جداً بأحماض أوميغا 3 الدهنية، والتي تلعب دوراً في تحسين الدورة الدموية ودعم صحة القلب. كما أنها مصدر جيد لفيتامينات ب المركب الضرورية لتكوين الدم.
دراسة نشرت في European Journal of Clinical Nutrition عام 2012 أوضحت أن تناول بذور الكتان ساعد في تحسين مؤشرات الدم ووظائف الأوعية الدموية لدى مجموعة من المشاركين الذين يعانون من عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب.
كيف ترفع هذه البذور مستوى الهيموغلوبين
الآلية التي تعمل بها هذه البذور على محاربة فقر الدم تتمثل في عدة نقاط:
1. تزويد الجسم بالحديد النباتي الضروري لتكوين الهيموغلوبين.
2. احتواؤها على معادن مثل النحاس والزنك التي تدخل في إنزيمات مسؤولة عن امتصاص الحديد وبناء خلايا الدم.
3. توافر فيتامينات ب مثل حمض الفوليك الذي يعد أساسياً لانقسام ونمو كريات الدم الحمراء في نخاع العظم.
4. وجود مضادات أكسدة طبيعية تحمي خلايا الدم من التلف المبكر وتزيد من كفاءتها في نقل الأكسجين.
أفضل طرق الاستفادة من هذه البذور
يمكن تناول بذور السمسم محمصة أو إضافتها إلى الخبز والسلطات.
بذور اليقطين يمكن تناولها كوجبة خفيفة بين الوجبات أو طحنها وإضافتها إلى العصائر.
بذور الكتان يفضل طحنها قبل الاستهلاك لزيادة امتصاص المواد الفعالة.
للحصول على أفضل النتائج ينصح بدمج هذه البذور مع مصادر فيتامين سي مثل البرتقال أو الليمون لتعزيز امتصاص الحديد.
الدراسات العلمية التي تدعم ذلك
تقرير منظمة الأغذية والزراعة FAO عام 2019 صنف بذور اليقطين والسمسم ضمن الأغذية الوظيفية التي يمكن أن تقلل من معدلات فقر الدم في الدول النامية.
مراجعة علمية نُشرت في Nutrients عام 2020 أكدت أن الأنظمة الغذائية الغنية بالبذور والمكسرات ساهمت في تحسين صحة الدم وتقليل مخاطر الإصابة بالأنيميا.
دراسة ميدانية في الهند عام 2016 وجدت أن الأطفال الذين تناولوا وجبات غنية ببذور السمسم وبذور اليقطين ارتفعت لديهم مستويات الهيموغلوبين بمعدل ملحوظ خلال ثلاثة أشهر فقط.
احتياطات مهمة
رغم فوائد هذه البذور، إلا أن هناك بعض النقاط التي يجب الانتباه لها:
الإفراط في تناولها قد يؤدي إلى زيادة الوزن لأنها غنية بالسعرات الحرارية.
الأشخاص الذين يعانون من حصوات الكلى يجب أن يتجنبوا الكميات الكبيرة من بذور السمسم لاحتوائها على الأوكسالات.
يجب طحن بذور الكتان قبل الاستخدام لتجنب خروجها من الجسم دون امتصاص العناصر المفيدة.
فقر الدم مشكلة صحية عالمية تسبب إنهاكاً للجسم وتضعف مناعته وتقلل جودة الحياة، لكن الحل ليس دائماً في الأدوية فقط. الأغذية الطبيعية، وعلى رأسها بذور السمسم وبذور اليقطين وبذور الكتان، تمثل خياراً فعالاً وآمناً لرفع الهيموغلوبين وتحسين تكوين الدم. هذه البذور تمد الجسم بالحديد والمعادن والفيتامينات الأساسية، وتحتوي على مضادات أكسدة تدعم صحة الخلايا.
بإدخال هذه البذور في النظام الغذائي اليومي مع الاهتمام بتناول فيتامين سي لزيادة امتصاص الحديد يمكن تحقيق تحسن واضح في مستوى الطاقة والنشاط، والوقاية من مضاعفات الأنيميا.
