النوم الجيد يعتبر من أهم العوامل التي تحافظ على صحة الإنسان الجسدية والعقلية على حد سواء. ومع ذلك، هناك عادة شائعة يمارسها كثير من الناس قبل النوم دون أن يدركوا مخاطرها الكبيرة على القلب والدماغ والجهاز العصبي بشكل عام. هذه العادة، والتي تتضمن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية قبل النوم مباشرة، تؤثر بشكل سلبي على دورة النوم الطبيعية، وقد أظهرت دراسات حديثة أنها مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والدماغ المزمنة.
يقول الدكتور جيمس ويليامز، أخصائي النوم في جامعة هارفارد، إن التعرض للضوء الأزرق الصادر عن شاشات الهواتف والأجهزة الإلكترونية قبل النوم مباشرة يثبط إنتاج هرمون الميلاتونين الذي ينظم دورة النوم والاستيقاظ. وعندما يقل الميلاتونين، يصبح النوم أقل عمقًا ويصبح الجسم غير قادر على الدخول في مرحلة النوم العميق الضرورية لإصلاح الخلايا الدماغية وإزالة السموم العصبية. وقد أكدت دراسة نشرت في مجلة Journal of Clinical Sleep Medicine أن الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم قبل النوم لمدة ساعتين على الأقل يوميًا معرضون بنسبة 30٪ أعلى لمشاكل النوم المزمنة مثل الأرق.
ولكن تأثير هذه العادة لا يقتصر على النوم فقط، بل يمتد إلى صحة القلب أيضًا. تشير دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة كولومبيا إلى أن الحرمان المزمن من النوم أو النوم المتقطع يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول. هذه التغيرات الفسيولوجية تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل تصلب الشرايين والنوبات القلبية على المدى الطويل. وقد وجدت الدراسة أن المشاركين الذين اعتادوا على استخدام هواتفهم قبل النوم كانوا أكثر عرضة بنسبة 25٪ للإصابة بأمراض القلب مقارنة بمن يلتزمون بعادات نوم صحية.
أما الدماغ، فهو الأكثر تأثرًا بهذه العادة. خلال النوم العميق، يقوم الدماغ بإزالة البروتينات الضارة والفضلات الناتجة عن نشاط اليوم الكامل، وهي عملية تعرف باسم “النظام الجليمفاوي”. وعندما يتأثر النوم بسبب التعرض المستمر للضوء الأزرق، تتراكم هذه الفضلات في الدماغ، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض التنكس العصبي مثل الزهايمر والخرف المبكر. دراسة حديثة نشرت في Nature Communications أوضحت أن النوم المتقطع أو غير الكافي يؤدي إلى تراكم البروتينات الأميلويد في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة، وبالتالي فإن عادة استخدام الأجهزة قبل النوم يمكن أن تكون من أهم العوامل المؤدية لتدهور صحة الدماغ على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر هذه العادة على الصحة النفسية بشكل كبير. النوم غير الكافي أو المتقطع مرتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق والاكتئاب. فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة ميشيغان أن الأشخاص الذين يمارسون استخدام الهواتف قبل النوم لديهم مستويات أعلى من القلق والاكتئاب بنسبة 20٪ مقارنة بمن يبتعدون عن الأجهزة قبل النوم. ويرجع ذلك جزئيًا إلى التوتر الناتج عن التفاعل المستمر مع الإعلام الرقمي قبل النوم، بالإضافة إلى التأثير الكيميائي للحرمان من النوم على توازن النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين.
لتجنب هذه الكارثة، ينصح الخبراء باتباع بعض الاستراتيجيات البسيطة لكنها فعالة للغاية. أولها الابتعاد عن الهواتف والأجهزة الإلكترونية قبل النوم بمدة لا تقل عن ساعة، وتهيئة غرفة النوم لتكون مظلمة وهادئة ودرجة حرارتها معتدلة. كما يُنصح بالاسترخاء من خلال ممارسة التأمل أو قراءة كتاب ورقي قبل النوم. وقد أظهرت دراسة نشرت في Frontiers in Psychology أن تقنيات الاسترخاء لمدة عشرين دقيقة قبل النوم تساعد على زيادة جودة النوم بنسبة تصل إلى 40٪ وتقلل من تأثير التوتر على الجسم.
علاوة على ذلك، ينصح بالحفاظ على روتين نوم ثابت، أي الذهاب إلى النوم والاستيقاظ في نفس الوقت يوميًا، حتى خلال عطلات نهاية الأسبوع. هذا الروتين يساعد الجسم على تنظيم إنتاج الميلاتونين وتحسين عمق النوم وجودته، وبالتالي تقليل الضغط على القلب وتحسين أداء الدماغ.
أخيرًا، يجب أن يكون هناك وعي عام بخطورة هذه العادة الشائعة. فالإدمان على الأجهزة الإلكترونية قبل النوم ليس مجرد مسألة نمط حياة، بل هو عامل صحي مؤثر على القلب والدماغ والنفسية. ولذا، فإن الابتعاد عن هذه العادة وتطبيق استراتيجيات النوم الصحي يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الأمراض المزمنة، ويحسن جودة الحياة اليومية، ويعزز الطاقة والإنتاجية.
في النهاية، يمكن القول إن عادة بسيطة لكنها شائعة قبل النوم قد تكون السبب في سلسلة من المشاكل الصحية الخطيرة. التخلص من هذه العادة ليس صعبًا كما يعتقد البعض، لكنه يتطلب وعيًا والتزامًا مستمرًا. وبتبني عادات نوم صحية، يمكن حماية القلب والدماغ، والتمتع بنوم عميق ومنعش يعيد النشاط والطاقة للجسم والعقل، ويقلل من مخاطر الأمراض المزمنة على المدى الطويل.
