عالم سويدي يكشف المعجزة… هذه العشبة تحسن النوم العميق وتريح الأعصاب خلال أيام فقط

الأرق واضطرابات النوم أصبحت من أكبر المشكلات الصحية التي يعاني منها ملايين البشر حول العالم. تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص يواجه صعوبات في النوم بشكل متكرر، سواء في صعوبة الدخول في النوم، أو الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل، أو عدم الوصول إلى مرحلة النوم العميق التي يحتاجها الدماغ والجسم للراحة. هذه المشكلة لا تؤثر فقط على المزاج والتركيز، بل ترتبط أيضاً بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والاكتئاب وضعف الجهاز المناعي.
في هذا السياق أعلن فريق بحثي سويدي من جامعة ستوكهولم عن نتائج دراسة جديدة كشفت عن فاعلية عشبة طبيعية قديمة في تحسين جودة النوم وتعزيز حالة الاسترخاء العصبي. هذه العشبة هي حشيشة الناردين أو ما يعرف بالفاليريان، وهي نبات طبي استخدم منذ مئات السنين في أوروبا وآسيا لعلاج القلق والأرق. وأوضح الباحثون أن الاستخدام المنتظم لهذه العشبة يمكن أن يساعد بشكل ملحوظ في الوصول إلى النوم العميق وتقليل فترات الاستيقاظ الليلي خلال أيام قليلة فقط.
الدراسة التي استمرت ستة أسابيع شملت ما يزيد عن ثلاثمئة متطوع يعانون من اضطرابات النوم الخفيفة إلى المتوسطة. نصف المشاركين تناولوا مستخلص عشبة الناردين يومياً قبل النوم، بينما حصل النصف الآخر على دواء وهمي للمقارنة. النتائج أظهرت أن المجموعة التي اعتمدت على العشبة شهدت تحسناً بنسبة تزيد على أربعين في المئة في سرعة الدخول إلى النوم، كما ارتفعت لديهم نسبة النوم العميق بمعدل ملحوظ مقارنة بالمجموعة الثانية. كما أفاد المشاركون بانخفاض التوتر العصبي والشعور براحة أكبر في الصباح.
سر فاعلية هذه العشبة يكمن في المواد النشطة التي تحتويها مثل الفاليرينيك أسيد ومركبات الفلافونويد، حيث تعمل على زيادة نشاط الناقل العصبي المعروف باسم حمض غاما أمينوبيوتيريك GABA، وهو المسؤول عن تهدئة نشاط الدماغ وخفض الاستثارة العصبية. عندما ترتفع مستويات هذا الناقل العصبي في الدماغ يصبح الإنسان أكثر استعداداً للاسترخاء والدخول في النوم العميق بشكل طبيعي دون الحاجة إلى أدوية منومة صناعية قد تسبب الإدمان أو آثاراً جانبية.
دراسات أخرى دعمت هذه النتائج. ففي بحث نشر في المجلة الأمريكية لطب النوم تبين أن تناول مستخلص الناردين بجرعات منتظمة يساعد على تقليل الوقت اللازم للنوم بمعدل خمس عشرة دقيقة في المتوسط، كما يزيد من مدة النوم العميق بنسبة تصل إلى خمسة وعشرين في المئة. كذلك أوضحت دراسة ألمانية أن استخدام هذه العشبة بشكل يومي لمدة شهر أدى إلى تحسن نوعية النوم لدى الأطفال الذين يعانون من الأرق المزمن دون أن يسبب لهم أي آثار جانبية تذكر.
ما يميز هذا العلاج الطبيعي أنه لا يعمل فقط على تحسين النوم، بل يساعد أيضاً على تخفيف أعراض القلق والتوتر والاكتئاب الخفيف، وهي مشاكل ترتبط غالباً باضطرابات النوم. فالدماغ عندما يدخل مرحلة النوم العميق يبدأ في إفراز هرمونات مهمة مثل الميلاتونين والسيروتونين التي تساهم في إعادة التوازن النفسي وتحسين المزاج. وهذا ما يفسر شعور الكثير من الأشخاص الذين استخدموا الناردين براحة نفسية واضحة وانخفاض في حدة العصبية والتوتر اليومي.
لكن العلماء يشددون على ضرورة استخدام هذه العشبة بجرعات مدروسة وعدم الإفراط في تناولها. الجرعة الموصى بها عادة تتراوح بين أربعمئة إلى ستمئة مليغرام من المستخلص الجاف قبل النوم بمدة نصف ساعة إلى ساعة. كما ينصح بالالتزام بها لفترة لا تقل عن أسبوعين حتى يظهر تأثيرها بشكل واضح. أما النساء الحوامل أو المرضعات ومرضى الكبد المزمن فينبغي لهم استشارة الطبيب قبل استخدامها لتجنب أي مضاعفات محتملة.
من الناحية العلمية يعتبر الناردين أكثر أماناً مقارنة بالأدوية الكيميائية المنومة مثل البنزوديازيبينات التي قد تسبب اعتماداً نفسياً وجسدياً عند استخدامها لفترات طويلة. لذلك ينظر إليه الأطباء كخيار بديل طبيعي وآمن يمكن دمجه مع استراتيجيات أخرى لتحسين النوم مثل الالتزام بروتين نوم منتظم، وتجنب الكافيين قبل ساعات المساء، والابتعاد عن الشاشات المضيئة قبل النوم، وممارسة تمارين التنفس أو التأمل.
اللافت أن هذا الاكتشاف ليس وليد اللحظة بل هو امتداد لتراث طويل من الطب الشعبي الأوروبي. فالرهبان في العصور الوسطى كانوا يستخدمون جذور الناردين لتحضير مشروبات مهدئة للأعصاب، كما وردت إشارات لاستخدامه في الطب الهندي القديم لعلاج الصداع والتوتر. لكن الجديد اليوم أن العلم الحديث أعاد دراسة هذه العشبة بتقنيات دقيقة وأثبت فعاليتها بما لا يدع مجالاً للشك.
ويشير الباحثون السويديون إلى أن نتائج هذه الدراسة قد تفتح الباب أمام تطوير مكملات طبيعية أكثر فاعلية تعالج الأرق والقلق، خصوصاً أن العالم يشهد زيادة مقلقة في معدلات اضطرابات النوم بسبب ضغوط الحياة العصرية وكثرة استخدام الأجهزة الإلكترونية. ويؤكدون أن العودة إلى الطبيعة قد تكون الحل الأمثل لتخفيف هذه المشكلات بعيداً عن الأدوية الكيميائية ذات الآثار السلبية.
هذا الاكتشاف يقدم أملاً جديداً لملايين الأشخاص الذين يعانون من الأرق المزمن واضطرابات النوم. فبضع كبسولات من مستخلص عشبة الناردين أو حتى شاي محضر من جذورها قد يكون كافياً لإعادة التوازن للنوم واستعادة النشاط الذهني والجسدي. إنها بالفعل معجزة طبيعية تثبت أن الحلول لمشاكلنا الصحية قد تكون أقرب مما نتصور وأن الطبيعة ما زالت تحمل في داخلها أسراراً مذهلة لصحة الإنسان.