عشبة منسية تقتل خلايا السرطان بذكاء وتُعيد الجسم للحياة من جديد… النتائج أبهرت العلماء

في عالم الطب الحديث، حيث تُنفق المليارات على تطوير الأدوية والعلاجات الكيميائية والجينية لمكافحة السرطان، ظهرت مؤخرًا مفاجأة علمية غير متوقعة أعادت الأمل إلى المرضى والعلماء في آنٍ واحد. فبحسب دراسات بحثية نُشرت في عدد من المجلات العلمية المرموقة، تم اكتشاف أن عشبة طبيعية كانت تُستخدم منذ قرون في الطب الشعبي تمتلك قدرة مذهلة على قتل الخلايا السرطانية بذكاء دون أن تُلحق ضررًا بالخلايا السليمة، في ظاهرة حيّرت الأطباء وأدهشت مراكز الأبحاث حول العالم.
العشبة التي تُعرف في بعض المناطق باسم الشيح Artemisia annua هي نبات بري عطري ينتشر في آسيا وإفريقيا، وقد استُخدمت تقليديًا لعلاج الحمى والأمراض الالتهابية. لكن الأبحاث الحديثة أعادت تسليط الضوء عليها بعد اكتشاف مفعولها القوي ضد أنواع متعددة من الخلايا السرطانية.
في دراسة أجرتها جامعة واشنطن، وُجد أن المركب النشط في هذه العشبة والمسمى الأرتيميسينين قادر على استهداف الخلايا السرطانية بطريقة ذكية، إذ يتفاعل هذا المركب مع عنصر الحديد الموجود بتركيز مرتفع داخل تلك الخلايا، مما يؤدي إلى توليد جزيئات أكسجين تدمّرها من الداخل. اللافت في الأمر أن الخلايا السليمة لا تتأثر بنفس الدرجة، لأنها تحتوي على كميات أقل من الحديد، وهو ما يجعل التأثير انتقائيًا وآمنًا نسبيًا مقارنة بالعلاجات الكيميائية التقليدية.
وقد أوضح الباحثون أن هذه الآلية تُشبه إلى حد كبير “القنبلة الذكية” التي تُصيب الهدف بدقة دون تدمير ما حوله. وأشار فريق البحث إلى أن تجارب المختبر أثبتت فعالية الأرتيميسينين ضد عدة أنواع من السرطانات، من بينها سرطان الثدي وسرطان الرئة وسرطان الدم وسرطان القولون، مع نتائج إيجابية فاقت التوقعات.
ولم تتوقف المفاجأة عند هذا الحد، بل بيّنت دراسات لاحقة أن تناول مستخلصات هذه العشبة يُحفّز الجهاز المناعي على إنتاج المزيد من الخلايا القاتلة للأورام، مما يُعزز مقاومة الجسم الطبيعية للمرض. هذا التأثير المزدوج – قتل مباشر للخلايا السرطانية وتنشيط للمناعة – جعل العلماء يصفون الأرتيميسينين بأنه “معجزة بيولوجية” قد تغيّر مستقبل علاج السرطان.
من ناحية أخرى، تناولت أبحاث أخرى تأثير هذه العشبة على الصحة العامة، فوجدت أنها تملك خصائص مضادة للالتهابات والبكتيريا والطفيليات، كما تُساعد في تحسين وظائف الكبد وتوازن الهرمونات، مما يُعيد للجسم نشاطه الحيوي ويحميه من الإجهاد التأكسدي. وتُعد هذه الفوائد مجتمعة دليلاً على أن الطبيعة ما زالت تحمل أسرارًا عظيمة لم تُكتشف بعد.
تجارب سريرية أجريت في الصين والهند وإفريقيا دعمت هذه النتائج، حيث لوحظ تحسن في حالات المرضى الذين تم إعطاؤهم مستخلص العشبة إلى جانب العلاج التقليدي، مع انخفاض في حجم الأورام وتحسن في مؤشرات الدم العامة. وأكد الأطباء المشاركون في تلك التجارب أن الأعراض الجانبية كانت محدودة جدًا مقارنة بالعلاج الكيميائي، مما يجعلها خيارًا مساعدًا واعدًا في المستقبل القريب.
الحديث عن الأرتيميسينين لا يمكن فصله عن قصته التاريخية المثيرة، إذ كانت هذه المادة قد منحت العالم اكتشافًا عظيمًا عندما استُخرجت لأول مرة لعلاج الملاريا، وهو الإنجاز الذي حصلت بفضله العالمة الصينية “تو يويو” على جائزة نوبل في الطب عام 2015. واليوم، يبدو أن هذه العشبة نفسها تستعد لتغيير معالم الطب مجددًا، ولكن هذه المرة في ميدان مكافحة السرطان.
ويشير الباحثون إلى أن الخطوة القادمة هي تطوير صيغ دوائية أكثر استقرارًا وتركيزًا من هذه المادة، وربما دمجها مع تقنيات النانو لتوجيهها مباشرة إلى الورم، ما قد يفتح الباب أمام علاج طبيعي وفعّال لا يحمل آثارًا مدمرة على الجسم.
أما من الناحية الوقائية، فإن تناول شاي الشيح أو مكملاته الطبيعية بجرعات معتدلة قد يُساهم في حماية الجسم من الالتهابات المزمنة التي تُعدّ السبب الرئيسي لتطوّر السرطان وأمراض الشيخوخة. لكن الخبراء يحذرون من استخدامه العشوائي دون إشراف طبي، إذ إن الجرعات العالية قد تؤدي إلى اضطرابات في الكبد أو الجهاز العصبي.
اللافت أن هذا الاكتشاف أعاد النقاش من جديد حول أهمية الطب الطبيعي ودوره التكميلي إلى جانب الطب الحديث. فبينما اعتمد العالم لعقود على العلاجات الكيميائية، بدأت العديد من المراكز البحثية تعيد النظر في قدرة النباتات الطبية على تقديم حلول أكثر أمانًا واستدامة.
ويعتقد فريق من علماء الأحياء الدقيقة أن ما يميز الأرتيميسينين هو توازنه البيوكيميائي الفريد، فهو لا يهاجم الجسم بل يُعيد إليه توازنه الداخلي ويمنحه فرصة للتعافي الذاتي. هذا المفهوم الجديد في العلاج – القائم على دعم الجسم بدلًا من محاربة المرض بعنف – أصبح محورًا رئيسيًا في الطب الوقائي الحديث.
يمكن القول إن اكتشاف قدرة عشبة الشيح على قتل الخلايا السرطانية يمثل نقطة تحول حقيقية في مسيرة الطب الحديث. وبينما لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث السريرية الموسعة، إلا أن المؤشرات الحالية تؤكد أن هذه العشبة المنسية قد تحمل بين أوراقها أملًا جديدًا للإنسانية. فربما تكون الطبيعة، مرة أخرى، هي من تمنح العالم الدواء الذي عجزت عنه المختبرات لعقود طويلة.
لقد أثبتت التجارب أن العلم لا يتوقف عن مفاجأتنا، وأن العودة إلى الجذور الطبيعية ليست مجرد حنين للماضي، بل طريق فعلي نحو مستقبل صحي أكثر توازنًا وأمانًا. هذه العشبة التي كانت تُعدّ يومًا علاجًا للحمّى، قد تتحول قريبًا إلى رمز لعلاج السرطان، لتؤكد من جديد أن أسرار الشفاء غالبًا ما تكمن في أبسط ما حولنا.