أقتراحات عامة

مشروب بارد يحبه الجميع يوقف عمل البنكرياس فجأة ويؤدي للسكري

في السنوات الأخيرة أصبحت المشروبات الباردة جزءا أساسيا من نمط الحياة الحديثة، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار العادات الغذائية السريعة، حيث لا يكاد يخلو يوم لدى الكثيرين من تناول كوب من العصير الصناعي أو المشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة. هذه المشروبات تبدو لذيذة ومنعشة، لكنها تخفي وراء مذاقها الحلو أضرارا جسيمة على أجهزة الجسم الحيوية، وعلى رأسها البنكرياس، العضو المسؤول عن تنظيم مستوى السكر في الدم من خلال إفراز هرمون الإنسولين.

الدراسات الحديثة التي أجريت في جامعات مرموقة مثل جامعة هارفارد وجامعة كاليفورنيا أشارت إلى أن المشروبات الغازية المحلاة بالسكر أو شراب الذرة عالي الفركتوز تسبب إجهادا مزمنا لخلايا البنكرياس، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى فشلها في إنتاج الإنسولين بالكميات الكافية. فعندما يستهلك الإنسان كمية كبيرة من السكريات البسيطة الموجودة في هذه المشروبات، ترتفع نسبة الجلوكوز في الدم بشكل سريع، فيقوم البنكرياس بإفراز كميات كبيرة من الإنسولين بشكل مفاجئ لمحاولة موازنة هذا الارتفاع. تكرار هذه العملية يوميا يؤدي إلى إنهاك خلايا البنكرياس وإصابتها بما يعرف بالإجهاد التأكسدي، وهو حالة تضعف فيها الخلايا وتفقد قدرتها على العمل بشكل طبيعي.

إضافة إلى ذلك، تحتوي المشروبات الغازية والمشروبات الصناعية على كميات عالية من الفركتوز الصناعي، وهو نوع من السكر يختلف في طريقة تمثيله داخل الجسم. فعلى عكس الجلوكوز الذي يستخدمه الجسم مباشرة كمصدر للطاقة، يتحول الفركتوز في الكبد إلى دهون ثلاثية تتراكم مع الوقت وتسبب ما يعرف بمرض الكبد الدهني غير الكحولي، كما تؤدي هذه الدهون إلى مقاومة الإنسولين، وهي المرحلة التي تسبق غالبا الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.

وقد نشرت مجلة التغذية الأمريكية دراسة تابعت أكثر من خمسين ألف شخص على مدى عشر سنوات، وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يشربون مشروبا غازيا واحدا يوميا ترتفع لديهم احتمالية الإصابة بالسكري بنسبة تتجاوز 25 في المئة مقارنة بمن لا يستهلكون هذه المشروبات. كما بينت الدراسة أن التأثير لا يتعلق فقط بالمشروبات السكرية التقليدية، بل يشمل أيضا العصائر الصناعية ومشروبات الطاقة التي تحتوي على كميات ضخمة من السكر والكافيين.

الخطير في الأمر أن بعض هذه المشروبات تؤثر على الجسم حتى عندما تكون خالية من السكر الظاهر، مثل المشروبات التي تحتوي على محليات صناعية كالأسبارتام والسكرالوز، حيث تشير أبحاث نشرت في مجلة Nature إلى أن هذه المواد تؤثر سلبا على بكتيريا الأمعاء النافعة، مما يؤدي إلى خلل في توازن الميكروبيوم المعوي، وبالتالي اضطراب في استجابة الجسم للإنسولين. هذا الاضطراب قد يؤدي أيضا إلى زيادة الشهية والرغبة في تناول المزيد من الأطعمة السكرية، فيدخل الجسم في دائرة مغلقة من الإفراط الغذائي واضطراب الهرمونات.

من الناحية الطبية، فإن البنكرياس يلعب دورا دقيقا وحساسا جدا، فهو لا يفرز الإنسولين فقط، بل يفرز أيضا هرمون الجلوكاجون الذي يعمل على رفع السكر عند انخفاضه، ولذلك فإن أي اضطراب في أداء البنكرياس ينعكس سريعا على توازن الجسم بأكمله. وعندما تتوقف خلايا بيتا في البنكرياس عن العمل أو تضعف، يبدأ مستوى السكر بالارتفاع تدريجيا دون أن يشعر الشخص، ثم تظهر الأعراض المعروفة مثل العطش الشديد، كثرة التبول، الشعور بالتعب المستمر، وخسارة الوزن غير المبررة.

الأطباء ينصحون اليوم بتقليل أو تجنب المشروبات الغازية والعصائر الصناعية بشكل كامل، واستبدالها بالماء أو المشروبات الطبيعية غير المحلاة مثل الماء المنقوع بشرائح الليمون أو النعناع أو الأعشاب الطبيعية. فالماء هو المشروب المثالي للجسم، يساعد على تنقية الدم، وتحسين عمل الكبد والكلى، ويعيد التوازن للسوائل دون أن يرهق البنكرياس. كما يُفضل تناول الفواكه الطازجة بدل العصائر المحلاة، لأن الألياف الموجودة في الفواكه تبطئ امتصاص السكر وتمنع ارتفاعه المفاجئ في الدم.

من المهم أيضا معرفة أن الأضرار لا تظهر بسرعة، بل تتراكم ببطء على مدى سنوات، مما يجعل كثيرين يظنون أن هذه المشروبات غير مؤذية. غير أن تراكم السكر الزائد يوميا يخلق حالة تعرف بمقاومة الإنسولين، وهي بداية الانحدار نحو السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والشرايين. وقد أظهرت دراسات منظمة الصحة العالمية أن خفض استهلاك السكر الحر إلى أقل من 10 في المئة من إجمالي السعرات اليومية يقلل بشكل كبير خطر الإصابة بالسكري وأمراض الأيض المزمنة.

وفي تجربة علمية حديثة أجريت على متطوعين في جامعة كامبريدج، تبين أن التوقف عن تناول المشروبات الغازية لمدة أربعة أسابيع فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستوى الإنسولين الصيامي وتحسن استجابة الجسم له، كما تحسنت مستويات الطاقة لدى المشاركين وشعروا بصفاء ذهني أكبر. هذه النتائج تثبت أن الجسم قادر على التعافي تدريجيا بمجرد التوقف عن استهلاك هذه المواد الضارة.

إن الوعي بخطورة المشروبات المحلاة ضرورة ملحة، فالمسألة لا تتعلق فقط بالسمنة أو السعرات الزائدة، بل بصحة عضو أساسي يحدد توازن الجسم كله. فالبنكرياس هو المحور الرئيسي في تنظيم الطاقة، وأي ضرر يلحق به قد تكون عواقبه بعيدة المدى. لذلك، فإن الخطوة الأولى لحماية الجسم هي اختيار المشروبات بعناية، والابتعاد عن كل ما يحتوي على سكر مضاف أو محليات صناعية أو مواد حافظة، والاعتماد على المصادر الطبيعية التي تدعم وظائف الجسم ولا ترهقها.

أن المشروب البارد الذي يحبه الجميع قد يكون السبب الخفي وراء توقف البنكرياس المفاجئ وظهور داء السكري، لذا فإن تقليل هذه المشروبات أو الامتناع عنها كليا ليس رفاهية، بل هو ضرورة للحفاظ على صحة الجسم على المدى الطويل. فاختيار كوب ماء بارد أو عصير طبيعي منزلي الصنع أفضل بأضعاف من أي مشروب جاهز، لأن صحة البنكرياس لا تقدر بثمن، وحمايته تبدأ من قرار بسيط اليوم قد يجنبك معاناة طويلة في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!