منوعات عامة

عشبة بسيطة تنهي معاناة القولون العصبي والانتفاخات نهائيًا

في عالم الطب الحديث الذي تغزوه الأدوية الكيميائية والمستحضرات الصناعية المعقدة، لم يكن أحد يتوقع أن تكون الإجابة على أكثر أمراض الجهاز الهضمي شيوعًا مخبأة في عشبة طبيعية بسيطة كانت مهملة منذ عقود. الحديث هنا عن عشبة النعناع، تلك الورقة الخضراء التي يعرفها الجميع في الشاي أو الأطعمة، ولكن ما كشفت عنه الدراسات الحديثة جعل العلماء والأطباء في حالة من الدهشة، بعدما أثبتت الأبحاث أنها تحتوي على مركبات فعالة قادرة على تهدئة القولون العصبي، والتخلص من الانتفاخات والغازات المزمنة بشكل يفوق التوقعات.

القولون العصبي من أكثر الاضطرابات التي تصيب الناس حول العالم، إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 15% من سكان العالم يعانون من أعراضه بدرجات متفاوتة. هذا المرض يسبب آلامًا مزمنة في البطن، وانتفاخًا، واضطرابًا في الإخراج بين الإسهال والإمساك، وغالبًا ما يرتبط بالتوتر النفسي والقلق. ولأن الأدوية التقليدية تخفف الأعراض مؤقتًا دون أن تعالج السبب الجذري، فقد ظل المرض مزمنًا ومزعجًا للكثيرين. لكن الأبحاث الحديثة جاءت لتقلب الموازين.

في دراسة أجرتها جامعة أديلايد الأسترالية عام 2019، اكتشف العلماء أن زيت النعناع الطبيعي يحتوي على مادة فعالة تُعرف باسم المنثول، وهي مركب عضوي يعمل كمضاد طبيعي للتشنجات في العضلات الملساء لجدار الأمعاء. هذه الخاصية تجعله قادراً على تهدئة التقلصات المعوية المسببة للآلام، كما يساعد على تنظيم حركة الأمعاء ومنع تراكم الغازات. وأشارت الدراسة إلى أن المرضى الذين استخدموا كبسولات زيت النعناع لمدة أربعة أسابيع لاحظوا تحسنًا كبيرًا في الأعراض بنسبة تجاوزت 75% دون أي آثار جانبية تُذكر.

ولم تتوقف المفاجأة هنا، فقد أكدت دراسة أخرى نشرتها مجلة Digestive Diseases and Sciences أن استنشاق بخار النعناع أو تناوله كشاي دافئ يخفف من التوتر العصبي ويُهدئ الجهاز العصبي المركزي، وهو ما ينعكس إيجابًا على الجهاز الهضمي الذي يتأثر ارتباطًا وثيقًا بالحالة النفسية. هذا التفاعل بين الدماغ والأمعاء يُعرف بمحور “الدماغ والأمعاء”، وقد تبيّن أن النعناع يساهم في إعادة توازنه بشكل طبيعي ولطيف.

من جهة أخرى، يتميز النعناع بخصائص مضادة للبكتيريا والفطريات، مما يجعله فعالًا في تطهير الجهاز الهضمي من الميكروبات الضارة التي تسبب التخمرات والروائح الكريهة والانتفاخات. ويحتوي أيضًا على مضادات أكسدة قوية تساعد في حماية خلايا القولون من الالتهابات المزمنة التي قد تتطور مع الوقت إلى أمراض أكثر خطورة.

الخبراء يشيرون إلى أن الطريقة المثلى للاستفادة من النعناع تكون عبر تناوله كشاي طبيعي دافئ بعد الوجبات، أو من خلال كبسولات زيت النعناع المعوية التي تتوافر في الصيدليات والتي تذوب في الأمعاء مباشرة لتمنع التهيج. كما يُمكن استخدام أوراق النعناع الطازجة في السلطات والعصائر، فالمادة الفعالة تبقى محفوظة عند استخدامها بشكل طبيعي دون غليان مفرط.

ويؤكد الأطباء أن الاستمرار في تناول النعناع بانتظام لمدة شهر قد يؤدي إلى تراجع ملحوظ في الأعراض المزمنة للقولون العصبي، كما يساعد على تحسين جودة النوم وتقليل التوتر العصبي، وهما عاملان أساسيان في شفاء الجهاز الهضمي واستعادته لعمله الطبيعي.

من الناحية الكيميائية، يحتوي النعناع على مجموعة مدهشة من المركبات المفيدة مثل الفلافونويدات، والمنثون، والليمونين، وكلها مواد تساعد على مقاومة الالتهاب وتحسين إفراز العصارات الهضمية. هذه المركبات تعمل بطريقة متكاملة على تهدئة الأمعاء وتنظيم حركة الطعام داخلها مما يمنع التخمرات التي تسبب الغازات والانتفاخ.

ولأن النعناع سهل الزراعة ومتوافر في جميع أنحاء العالم، فقد اعتبره الباحثون “كنزًا طبياً طبيعيًا في متناول الجميع”، حتى أن بعض المختبرات بدأت في تطوير مكملات غذائية تعتمد على خلاصته المركزة لعلاج متلازمة القولون العصبي بشكل رسمي.

تجدر الإشارة إلى أن الأطباء ينصحون الأشخاص الذين يعانون من ارتجاع المريء الشديد أو الحموضة المرتفعة باستخدام النعناع بحذر، لأن زيادته قد تزيد من ارتخاء صمام المعدة في بعض الحالات. ومع ذلك، فإن الاستخدام المعتدل والمتوازن أثبت فعالية وأمانًا تامًا لمعظم الحالات.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن النعناع لم يعد مجرد نبات عطري يضفي نكهة على الأطعمة، بل تحول إلى علاج طبيعي فعّال يهدد مكانة بعض الأدوية الكيميائية في الأسواق، بعدما أثبت بالعلم أنه قادر على إنهاء معاناة ملايين الأشخاص من اضطرابات القولون العصبي والانتفاخات دون آثار جانبية أو تكلفة باهظة.

هذا الاكتشاف الذي وصفه الخبراء بأنه “زلزال في عالم الطب الطبيعي” أعاد الثقة بالطب العشبي الذي تجاهله العالم لعقود طويلة، مؤكداً أن الحلول البسيطة والمتاحة في مطابخنا قد تكون أقوى من كل العقاقير الصناعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!