عشبة منسية تُنشط خلايا الدماغ وتقضي على النسيان خلال أيام… باحثون ألمان يكشفون السر

في عالم يموج بالمعلومات والضغوط، أصبح النسيان وضعف التركيز شكوى شائعة تطال الشباب قبل كبار السن. بينما تنفق شركات الأدوية مليارات الدولارات على تطوير عقاقير معقدة، كانت الإجابة على معاناة الملايين مخبأة في نبات عاصر الديناصورات ونجا من العصر الجليدي. إنها شجرة الجنكة بيلوبا، تلك الشجرة التي يطلق عليها العلماء اسم “الحفرية الحية”، والتي حافظت على أسرارها الطبية لأكثر من 200 مليون سنة. اليوم، يأتي البحث العلمي الحديث، لا سيما من ألمانيا، ليؤكد ما عرفه الطب التقليدي الصيني والطب العربي لقرون: أن هذه الأوراق المروحية الشكل تحمل بين طياتها سراً من أسرار صحة الدماغ والذاكرة.
لقاء مع الحفرية الحية.. ما هي عشبة الجنكة؟
الجنكة بيلوبا (Ginkgo biloba) هي شجرة معمرة تعتبر آخر نوع باقي من فصيلة نباتية قديمة، مما يجعلها حقاً “حفرية حية” . تتميز هذه الشجرة بقوة مقاومتها الاستثنائية، حيث يمكنها النمو في ظروف بيئية قاسية وتعتبر من أكثر الأشجار مقاومة للتلوث والحشرات .
أما الجزء المستخدم طبياً، فهو أوراقها الخضراء ذات الشكل المروحي المميز . تحتوي هذه الأوراق على كنز من المركبات النشطة بيولوجياً، أبرزها:
· الفلافونويدات (مثل الروتين والكويرستين): وهي مضادات أكسدة قوية جداً تحارب الجذور الحرة وتحمي خلايا الجسم، بما فيها خلايا الدماغ، من التلف .
· التيربينويدات (مثل الجنكوليدات والبيلوباليدات): وهي مركبات تساعد على تحسين تدفق الدم في الجسم كله، بما فيه الدماغ، عن طريق توسيع الأوعية الدموية وتقليل لزاجة الصفائح الدموية .
يتم تحضير المكملات الغذائية من مستخلص هذه الأوراق، وهي تتوافر في الصيدليات ومحلات المنتجات الطبيعية على شكل أقراص، كبسولات، أو مستخلص سائل . من المهم جداً التنبيه إلى أن بذور الجنكة النيئة أو المحمصة سامة ويجب عدم تناولها .
آلية العمل.. كيف تحارب الجنكة النسيان وتنشط الدماغ؟
كيف تعمل هذه العشبة القديمة على تحسين وظائفنا الإدراكية؟ الإجابة تكمن في مجموعة من الآليات المتقنة والمتكاملة:
1. تعزيز تدفق الدم إلى الدماغ: تعمل التيربينويدات على توسيع الأوعية الدموية وتحسين مرونتها، مما يزيد من كمية الدم الغني بالأكسجين والجلوكوز التي تصل إلى خلايا الدماغ. هذا التغذية المحسنة تسمح للخلايا العصبية بأداء وظائفها بشكل أكثر كفاءة .
2. الحماية من الإجهاد التأكسدي: تلعب الفلافونويدات دوراً حاسماً في تحييد الجذور الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة تتلف الخلايا وتساهم في شيخوخة الدماغ والإصابة بالأمراض التنكسية مثل ألزهايمر. تحمي مضادات الأكسدة هذه أغشية الخلايا العصبية وتحافظ على سلامتها .
3. تحسين التواصل بين الخلايا العصبية: تشير بعض الأبحاث إلى أن الجنكة قد تؤثر بشكل إيجابي على الناقلات العصبية، وهي المواد الكيميائية التي تسمح للخلايا العصبية بالتواصل مع بعضها البعض، مما ينعكس إيجاباً على عمليات التعلم والتذكر .
4. الحماية من ترسبات البروتينات الضارة: قد تساعد الجنكة في الحماية من تراكم بروتين “أميلويد بيتا” في الدماغ، والذي يرتبط بالإصابة بمرض ألزهايمر .
الدليل العلمي.. بين التأييد والتحفظ
هنا نصل إلى قلب الموضوع: ما الذي يقوله العلم الحديث عن فوائد الجنكة للذاكرة والدماغ؟
الدراسات المؤيدة والتأثير الواعد:
ركزت جزء كبير من الأبحاث على تأثير الجنكة على الخرف ومرض ألزهايمر. وتشير العديد من الدراسات إلى أن مستخلص الجنكة قد يكون مفيداً للمصابين بالخرف الخفيف إلى المتوسط، حيث يساعد على :
· تحسين التفكير والذاكرة.
· تحسين السلوك الاجتماعي.
· تعزيز القدرة على أداء المهام اليومية البسيطة.
كما أشارت بعض الدراسات المحدودة إلى أن الجنكة قد تحدث تحسناً طفيفاً في الذاكرة والانتباه لدى البالغين الأصحاء، خاصة مع التقدم في العمر .
الرأي الطبي المحافظ والنتائج المتضاربة:
على الجانب الآخر، تتخذ مؤسسات طبية مرموقة مثل مايو كلينك موقفاً أكثر تحفظاً. حيث تشير إلى أن غالبية الدراسات التي أُجريت على البالغين الأصحاء تتفق على أن الجنكة لا تحسن الذاكرة ولا تعزز الانتباه أو وظائف الدماغ بشكل عام .
كما أن الأبحاث لا تدعم استخدام الجنكة للوقاية من الخرف أو إبطاء تقدمه، فهي قد تخفف الأعراض ولكنها لا تمنع المرض أو توقف تفاقمه . وفي دراسة مهمة حول مرضى التصلب المتعدد، لم يظهر مستخلص الجنكة أي تحسن في وظائف الإدراك مقارنة بمن لم يتناولوه .
خلاصة الدليل العلمي: يمكن القول إن الأدلة على فوائد الجنكة للأشخاص الأصحاء لا تزال ضعيفة ومتضاربة. بينما قد تقدم فائدة محدودة وقصيرة الأمد للمصابين بمشاكل إدراكية خفيفة إلى متوسطة، لكنها ليست دواءً سحرياً يشفي من الأمراض.
فوائد متعددة تتجاوز الدماغ
رغم أن الشهرة الأكبر للجنكة هي في مجال تعزيز الوظائف العقلية، إلا أن فوائدها تمتد إلى أجهزة وأعضاء أخرى في الجسم:
· تحسين الدورة الدموية في الأطراف: تُظهر بعض الدراسات أن الجنكة قد تساعد مرضى “العرج المتقطع” (ألم الساق الناتج عن ضعف تدفق الدم) على المشي لمسافة أطول دون ألم، وإن كانت الفائدة بسيطة جداً .
· تخفيف أعراض القلق: وجد الباحثون أن استخدام مستخلص الجنكة لمدة أربعة أسابيع قد يساعد في التقليل من أعراض القلق .
· التخفيف من أعراض متلازمة ما قبل الحيض: قد يساعد تناول مستخلص الجنكة على تقليل الأعراض الجسدية والنفسية المصاحبة لمتلازمة ما قبل الطمث، مثل ألم الصدر .
· دعم صحة العين: قد يساعد مستخلص الجنكة في إبطاء تطور التنكس البقعي المرتبط بالعمر وتحسين تدفق الدم في العين .
· تخفيف الطنين (رنين الأذن): قد تساعد الجنكة في تخفيف حدة الطنين في الأذنين، خاصة إذا كان مرتبطاً بمشاكل في الدورة الدموية .
· فوائد محتملة للشعر: تشير بعض الآراء إلى أن قدرة الجنكة على تحسين الدورة الدموية في فروة الرأس قد تسريع عملية نمو الشعر من خلال تغذية البصيلات، لكن هذا الاستخدام ليس مدعوماً بأدلة قوية .
طريقة الاستخدام والجرعات الآمنة
لكي تحقق الاستفادة القصوى من الجنكة وتتجنب أضرارها، يجب اتباع الإرشادات بدقة:
الحالة الصحية الجُرعة المقترحة يومياً ملاحظات مهمة
تحسين الوظيفة المعرفية والتركيز 120-600 ملغ مقسمة على جرعتين الجرعات الشائعة تتراوح بين 120-240 ملغ .
دعم علاج الخرف الخفيف إلى المتوسط 120-240 ملغ مقسمة على جرعتين أو ثلاث قد يستغرق ظهور التأثير من 4 إلى 6 أسابيع .
تخفيف طنين الأذن 120-160 ملغ مقسمة على جرعتين أو ثلاث
مشاكل الدورة الدموية (العَرَج) 120-240 ملغ مقسمة على جرعتين أو ثلاث
· طرق الاستعمال: تتوفر الجنكة غالباً على شكل أقراص أو كبسولات تحتوي على المستخلص الجاف، ويتم تناولها عن طريق الفم .
· مدة الاستخدام: يفضل استخدام الجنكة لفترات زمنية قصيرة، وتجنب استخدامها لفترات طويلة دون استشارة طبية .
تحذيرات هامة.. احذر قبل أن تبدأ
على الرغم من أن الجنكة تعتبر آمنة بشكل عام لمعظم البالغين الأصحاء عند استخدامها بجرعات مناسبة ولمدة قصيرة، إلا أن هناك محاذير وآثاراً جانبية خطيرة يجب وضعها في الاعتبار :
الآثار الجانبية الشائعة:
قد تسبب الجنكة بعض الأعراض المزعجة مثل :
· الصداع.
· الدوخة والدوار.
· اضطراب المعدة، الإمساك.
· خفقان القلب.
· ردود فعل تحسسية جلدية.
الفئات الممنوعة من الاستخدام:
· مرضى الصرع: قد تزيد الجنكة من خطر الإصابة بالنوبات .
· الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النزيف: تزيد الجنكة من خطر النزيف بسبب تأثيرها المميِع للدم .
· النساء الحوامل أو المرضعات: يحظر استخدامها بسبب خطر النزيف وعدم توفر دراسات كافية عن السلامة .
· قبل الجراحة: يجب التوقف عن تناول الجنكة قبل أسبوعين على الأقل من أي عملية جراحية planned .
· مرضى السكري: قد تغير الجنكة من استجابة الجسم لأدوية السكري، لذا يجب مراقبة مستوى السكر في الدم بحرص .
التفاعلات الدوائية الخطيرة:
هذا هو الجانب الأكثر خطورة! قد تتفاعل الجنكة مع أدوية شائعة، لذا يجب استشارة الطبيب قبل الجمع بينها وبين :
· مميعات الدم: مثل الوارفارين، الأسبرين، كلوبيدوجريل، والإيبوبروفين. الجمع بينها يزيد بشكل كبير من خطر النزيف.
· مضادات الاكتئاب: مثل فلوكستين (بروزاك) وسيرترالين، حيث قد تقلل الجنكة من فعاليتها أو تزيد من الآثار الجانبية.
· أدوية السكري: قد تغير من استجابة الجسم لهذه الأدوية.
· أدوية خفض الكوليسترول (الستاتينات): قد تقلل الجنكة من فعالية أدوية مثل السيمفاستاتين والأتورفاستاتين.
تنبيه هام وحاسم: لا يجب أبداً استخدام الجنكة أو أي عشب طبي كبديل عن الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب. دائماً استشر طبيبك أو الصيدلي قبل البدء في تناول أي مكملات جديدة، خاصة إذا كنت تعاني من مشاكل صحية مزمنة أو تتناول أدوية أخرى.
الجنكة بيلوبا هي بالفعل هبة من الطبيعة، جسر بين الماضي السحيق والحاضر العلمي. إنها تذكرنا بأن كنوز الطبيعة لا تزال تحمل بين طياتها حلولاً لمشاكلنا الصحية، لكن المفتاح هو استخدام هذه القوة بحكمة ومعرفة.
بينما تظهر الأبحاث وعوداً في مجال تحسين الوظائف الإدراكية للمصابين بمشاكل خفيفة، فإن الأدلة على فوائدها للأشخاص الأصحاء لا تزال ضعيفة. لا تتوقع منها معجزة فورية، بل انظر إليها كعامل داعم ومكمل ضمن نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة، النوم الكافي، الرياضة المنتظمة، وتدريب العقل.
جرب هذه الهبة الطبيعية إن شئت، ولكن افعل ذلك بعينان مفتوحتان، مسلحاً بالعلم، ومستشيراً لمن يهمه أمر صحتك. ففي النهاية، صحة عقلك هي أغلى ما تملك.
المصادر والمراجع:
1. Mayo Clinic – الجنكة (Ginkgo)
2. الطبي – الجنكة بيلوبا فوائد، وأضرار (Ginkgo biloba)
3. ويب طب – عشبة الجنكة: دليلك الشامل
4. الطبى – مستخلص الجنكة، Ginkgo Biloba
5. 7 اليوم – مستحضرات “الجنكة” غير مفيدة لمرضى التصلب المتعدد
6. MSD Manuals – الجنكة
إخلاء المسؤولية: هذه المقالة لأغراض تعليمية وإعلامية فقط، ولا تغني عن استشارة الطبيب المختص. لا يتحمل المؤلف أي مسؤولية عن أي آثار سلبية قد تنتج عن استخدام المعلومات الواردة هنا دون استشارة طبية.