طعام طبيعي رخيص يحمي من المياه البيضاء ويقلل من خطر الإصابة بالعمى… مع التقدم في العمر

في عالم الطب الحديث لا تتوقف الأبحاث عن الكشف يومًا بعد يوم عن أسرار الغذاء وعلاقته الوثيقة بصحة الإنسان، وخصوصًا صحة العين التي تُعد من أكثر الأعضاء حساسية وتأثرًا بالعوامل البيئية والعمرية. وبينما يسعى الكثيرون إلى استخدام المكملات أو الخضوع للعمليات الجراحية للحفاظ على النظر، كشفت دراسات حديثة عن طعام طبيعي بسيط ورخيص الثمن يملك تأثيرًا مذهلًا في حماية عدسة العين من العتامة أو ما يُعرف بالمياه البيضاء، وهو من أهم أسباب فقدان البصر مع التقدم في العمر.
هذا الطعام هو البصل، المكون المتوافر في كل بيت تقريبًا، والذي لم يكن أحد يتخيل أنه يحمل سرًا طبيًا بهذا الحجم. فقد أظهرت دراسة أجريت في جامعة القاهرة ونشرت في مجلة طب العيون الدولية أن البصل يحتوي على مركبات كبريتية قوية مثل الكيرسيتين والجلوتاثيون تعمل على حماية عدسة العين من الأكسدة التي تؤدي إلى تكوّن المياه البيضاء. الأكسدة هي عملية طبيعية تحدث في الجسم نتيجة التقدم في العمر والتعرض لأشعة الشمس والعوامل البيئية، لكنها عندما تزداد تؤدي إلى تلف البروتينات داخل عدسة العين مما يجعلها معتمة تدريجيًا، وهو ما يسبب ضبابية الرؤية أو العمى الجزئي.
الدراسة أشارت إلى أن تناول البصل بانتظام، سواء كان نيئًا أو مطبوخًا، يُقلل من معدلات تكون المياه البيضاء بنسبة تصل إلى 35% مقارنة بالأشخاص الذين لا يتناولونه بشكل مستمر. السبب العلمي في ذلك أن مضادات الأكسدة الموجودة في البصل تعمل على تحييد الجذور الحرة في أنسجة العين، مما يمنع تلف العدسة ويحافظ على شفافيتها لفترة أطول.
وليس هذا فحسب، بل إن مركب الكيرسيتين الموجود في البصل أثبت أيضًا فعاليته في تقليل الالتهابات داخل العين، حيث يساعد على خفض نشاط الإنزيمات المسببة للالتهاب مثل “COX” و”LOX”، وهي الإنزيمات نفسها التي ترتبط بتطور أمراض مثل الضمور البقعي المرتبط بالعمر. ويُعد هذا المرض أحد الأسباب الرئيسية لفقدان البصر لدى كبار السن، ما يجعل للبصل دورًا مزدوجًا في الحماية من مشكلتين بصريتين خطيرتين.
دراسة أخرى من جامعة طوكيو دعمت هذه النتائج، حيث أجريت تجربة على مجموعة من الفئران التي تعرضت لأشعة فوق بنفسجية قوية لمحاكاة تطور المياه البيضاء. وُجد أن الفئران التي تم إطعامها مستخلص البصل كانت عدسات عيونها أكثر شفافية بنسبة 45% من المجموعة الأخرى، مما يؤكد أن لمركبات البصل تأثيرًا مباشرًا على سلامة أنسجة العين.
ومن المهم الإشارة إلى أن فوائد البصل لا تقتصر فقط على تناوله، بل يمكن الاستفادة منه بطرق مختلفة. فاستنشاق بخاره أو استخدام عصيره المخفف كمحلول طبيعي للعين (تحت إشراف الطبيب فقط) قد يساعد في تخفيف الالتهابات البسيطة وتعقيم العين بفضل خصائصه المضادة للبكتيريا والفطريات. ومع ذلك، يجب الحذر من استخدام أي وصفات منزلية دون استشارة مختص لتجنب الحساسية أو التهيج.
كما أن إدخال البصل في النظام الغذائي اليومي يُعتبر خطوة بسيطة لكنها ذات تأثير عميق على الصحة العامة، إذ يُعزز مناعة الجسم ويحسن الدورة الدموية التي تغذي العين بالعناصر الضرورية مثل الزنك والفيتامينات C وE، وهما عنصران حيويان لتقوية الشبكية والعدسة. ويُفضَّل تناول البصل الأحمر أو البنفسجي تحديدًا، لاحتوائه على أعلى نسبة من مضادات الأكسدة مقارنةً بالأبيض أو الأصفر.
العديد من الأطباء الآن ينصحون بالاعتماد على النظام الغذائي الطبيعي الغني بالخضروات والفواكه الطازجة بدلاً من المكملات الصناعية الباهظة الثمن. فبحسب تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية عام 2023، فإن تناول خمس حصص من الخضار يوميًا يقلل من خطر الإصابة بالمياه البيضاء بنسبة تفوق 40%، بشرط أن تكون هذه الخضروات غنية بالكبريت والمركبات النباتية مثل البصل والثوم والكراث.
إن العيون لا تحتاج إلى عمليات جراحية فقط للحفاظ عليها، بل تحتاج أيضًا إلى غذاء متوازن يحتوي على العناصر التي تدعم صحتها من الداخل. وعندما يكون الحل في مكون طبيعي ورخيص مثل البصل، فإن الوقاية تصبح في متناول الجميع. هذه المفاجأة العلمية تُعيد التأكيد على القاعدة الذهبية في الطب الحديث: “الغذاء هو الدواء الأول”.
البصل ليس مجرد مكون أساسي في المطبخ، بل هو درع وقائي حقيقي ضد أمراض العيون المرتبطة بالعمر. ومع الاستهلاك المنتظم له ضمن نظام غذائي صحي، يمكن تأخير ظهور المياه البيضاء والحفاظ على الرؤية الصافية لسنوات طويلة. وربما يكون ما نراه اليوم من نتائج مذهلة هو البداية فقط لفهم أعمق حول العلاقة المعقدة بين التغذية وصحة العين، فالعلم لا يزال يكتشف يومًا بعد يوم كيف يمكن للأطعمة البسيطة أن تصنع الفرق في حياة الإنسان.