تكنولوجيا

شائعات إلغاء خاصية الحظر في تطبيقات “ميتا”: ما بين الحقيقة والخيال

انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي شائعات مثيرة للجدل تفيد بأن شركة “ميتا” المالكة لتطبيقات فيسبوك وإنستجرام وواتساب تعتزم إلغاء خاصية الحظر (Block) من تطبيقاتها الأساسية. هذه الأخبار، التي حظيت بتفاعل واسع ومشاركات مكثفة، أثارت قلق ملايين المستخدمين حول العالم، إذ يُعد الحظر أداة محورية لحماية الأفراد من المضايقات والتحرش والإزعاج على الإنترنت.

لكن بالعودة إلى المصادر الرسمية والمعلومات المؤكدة، يتضح أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة، وأن “ميتا” لم تُصدر أي بيان رسمي يشير إلى نيتها إلغاء هذه الخاصية. بل على العكس، فإن الشركة تعمل منذ سنوات على تطوير أدوات الأمان والخصوصية، والحظر في مقدمتها. فما سبب ظهور مثل هذه الأخبار؟ وما أهمية الحظر في حياة المستخدم الرقمية؟

خاصية الحظر: صمام أمان في العالم الرقمي

منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، كانت مشكلة المضايقات الإلكترونية والتحرش واحدة من أبرز التحديات. ومع اتساع قاعدة المستخدمين ووصولها إلى مليارات الأشخاص، أصبحت الحاجة إلى أدوات فعّالة للسيطرة على التفاعلات أكثر إلحاحًا. هنا برزت خاصية الحظر كخط دفاع أول يمنح المستخدم القدرة على عزل نفسه عن أي تواصل غير مرغوب فيه.

الحظر لا يعني فقط منع شخص ما من مراسلتك أو التعليق على منشوراتك، بل هو وسيلة نفسية تمنح الفرد شعورًا بالأمان والسيطرة على تجربته الرقمية. بالنسبة للكثيرين، يشكل هذا الخيار فارقًا بين الاستمرار في استخدام منصة اجتماعية أو مغادرتها نهائيًا بسبب الإزعاج أو الإساءة.

تطور أدوات الحظر في تطبيقات “ميتا”

رغم بساطتها الظاهرية، إلا أن خاصية الحظر خضعت لعدة تحديثات وتطويرات عبر السنوات. على سبيل المثال، في عام 2019 أعلنت “ميتا” (إنستجرام تحديدًا) عن توسيع نطاق الحظر بحيث لا يقتصر على حساب واحد فقط، بل يشمل أي حسابات أخرى قد يمتلكها الشخص المحظور أو يقوم بإنشائها لاحقًا.

هذا التحديث جاء استجابة لشكاوى المستخدمين الذين كانوا يعانون من إعادة إنشاء الحسابات من قبل نفس الأشخاص بهدف الاستمرار في المضايقة. وبذلك، أصبح الحظر أكثر فاعلية ويغلق الباب أمام محاولات الالتفاف على النظام.

كما طورت الشركة أدوات أخرى موازية مثل “الكتم” (Mute) و”التقييد” (Restrict)، لتمنح المستخدم خيارات متعددة في إدارة علاقاته الرقمية. هذه الأدوات صُممت لتناسب احتياجات مختلفة: فبينما يمنع الحظر التفاعل بشكل كامل، يتيح الكتم التخلص من ظهور محتوى شخص ما دون إعلامه، ويمنح التقييد تحكمًا إضافيًا في التعليقات والتفاعلات.

لماذا تنتشر الشائعات عن إلغاء الحظر؟

انتشار شائعة مثل إلغاء الحظر يعكس في جوهره حالة القلق الجماعي من فقدان أدوات الحماية الرقمية. فمن الطبيعي أن يشعر المستخدمون بالتهديد إذا فقدوا وسيلة أساسية تحميهم من الإساءة.

لكن من جهة أخرى، قد تكون هناك أسباب إعلامية وتجارية وراء تضخيم هذه الأخبار. فالعناوين المثيرة مثل “وداعًا لخاصية البلوك” أو “ميتا تلغي الحماية من المضايقات” تجذب الانتباه وتحقق نسب مشاهدة عالية، حتى لو لم تكن دقيقة.

هذا النوع من الأخبار يُظهر أيضًا كيف أن ثقة المستخدمين في شركات التكنولوجيا الكبرى ليست مطلقة. أي خبر سلبي عن نية تغيير السياسات يُستقبل بحذر وقلق، ما يفتح المجال أمام الشائعات للانتشار بسرعة.

مقارنة مع سياسات منصات أخرى

من المفيد النظر إلى كيفية تعامل منصات أخرى مع موضوع الحظر والأمان. على سبيل المثال، في منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، كانت هناك تصريحات مثيرة من مالكها الحالي إيلون ماسك حول تقليص خاصية الحظر، ما أثار جدلًا واسعًا وأدى إلى حملات رفض من المستخدمين. ورغم ذلك، بقي الحظر قائمًا، لكن النقاشات أظهرت مدى حساسية هذا الموضوع.

أما تيك توك، فهو يوفر أدوات مشابهة للحظر، إلى جانب أنظمة ذكية للكشف عن السلوك المسيء تلقائيًا. في كل الأحوال، يُنظر إلى الحظر كأداة معيارية وأساسية لا يمكن التخلي عنها في أي منصة تواصل اجتماعي تحترم خصوصية مستخدميها.

رأي خبراء الأمن الرقمي

يرى الخبراء أن الحظر ليس مجرد خيار إضافي، بل ضرورة في بيئة رقمية مليئة بالتحديات. الدكتور سامر الخطيب، الباحث في الأمن السيبراني، يؤكد أن “الحظر هو أداة تمكينية تمنح المستخدمين حقهم الطبيعي في تقرير من يمكنه التواصل معهم. إلغاء مثل هذه الخاصية سيكون بمثابة انتكاسة لحقوق الأفراد في الفضاء الرقمي”.

ويضيف: “حتى لو كانت هناك أدوات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للكشف عن المضايقات، فإن منح المستخدم القدرة المباشرة على الحظر يظل عنصرًا لا غنى عنه”.

ما الذي تؤكده “ميتا” رسميًا؟

وفقًا لسجلات وبيانات الشركة، لا يوجد أي مؤشر رسمي على نية “ميتا” إلغاء خاصية الحظر. على العكس تمامًا، الشركة تواصل الاستثمار في تطوير أدوات الأمان. بل إن أحدث تحديثات إنستجرام وفيسبوك وواتساب تضمنت تحسينات في آلية الحظر والكتم، وهو ما ينسف هذه الشائعة من جذورها.

وتؤكد الشركة في بياناتها أن سلامة المستخدمين وخصوصيتهم هي من أولوياتها، وأن الأدوات مثل الحظر والكتم والتقييد هي ركيزة أساسية لهذه السياسة.

إذن، ما يُتداول عن إلغاء خاصية الحظر في تطبيقات “ميتا” ليس سوى شائعة لا أساس لها من الصحة. بل على العكس، تتجه الشركة نحو تعزيز هذه الخاصية وتوسيع إمكانياتها، استجابة لاحتياجات المستخدمين.

الدرس الأهم هنا هو ضرورة التعامل بحذر مع الأخبار المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، والرجوع دائمًا إلى المصادر الرسمية قبل تبني أي معلومة. فالشائعات قادرة على إثارة الذعر، لكن الحقائق وحدها قادرة على طمأنة المستخدمين.

وبالنسبة للمستخدمين، فإن خاصية الحظر ستظل متاحة وفاعلة، لتمنحهم ذلك الإحساس الضروري بالأمان والسيطرة على تجاربهم في عالم رقمي يتسع كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!