في السنوات الأخيرة بدأ الوعي الصحي لدى الناس يزداد بشكل ملحوظ، فأصبح الكثيرون يهتمون بطريقة حفظ الطعام وجودته ومدى تأثيرها على الجسم، خصوصًا مع انتشار الأمراض الناتجة عن سوء التخزين أو التلوث الغذائي. ورغم أن الثلاجة تُعتبر وسيلة آمنة لحفظ الطعام ومنع فساده، إلا أن الخبراء والأطباء حذروا مؤخرًا من أن بعض أنواع الأطعمة تتحول إلى مواد ضارة جدًا، بل وسامة، عند وضعها في الثلاجة لفترات طويلة أو في درجات حرارة غير مناسبة. هذه المعلومة قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، لكنها مدعومة بأدلة علمية ودراسات غذائية دقيقة، مما يجعل الانتباه إليها أمرًا في غاية الأهمية للحفاظ على الصحة العامة.
من أبرز هذه الأطعمة التي حذر منها الأطباء هي البطاطس المطهية، سواء كانت مسلوقة أو مقلية أو مشوية. فعندما يتم طهي البطاطس وتركها لتبرد ثم تخزينها في الثلاجة، يمكن أن تتكون فيها مركبات كيميائية ضارة تعرف باسم الأكريلاميد، خصوصًا إذا أُعيد تسخينها بعد ذلك. هذه المادة تم تصنيفها من قبل منظمة الصحة العالمية كأحد المركبات المحتملة المسببة للسرطان عند استهلاكها بكميات كبيرة أو على مدى طويل. وتتشكل الأكريلاميدات في الأطعمة الغنية بالنشويات عندما تتعرض لدرجات حرارة مرتفعة، كما أن التبريد الخاطئ أو التسخين المتكرر يزيد من تراكمها بشكل خطير.
ويُشير خبراء التغذية أيضًا إلى أن الأرز المطبوخ من أكثر الأطعمة التي قد تشكل خطرًا إذا تم تخزينها في الثلاجة بشكل غير صحيح. إذ تحتوي حبوب الأرز غير المطهية على جراثيم مقاومة للحرارة من نوع Bacillus cereus، وهذه البكتيريا يمكنها البقاء حتى بعد الطهي، وعندما يُترك الأرز في درجة حرارة الغرفة أو داخل الثلاجة لفترة طويلة، تبدأ هذه البكتيريا في التكاثر وتنتج سُمومًا قد تؤدي إلى التسمم الغذائي الحاد. وقد سجلت عدة حالات مرضية في دول مختلفة بسبب تناول بقايا الأرز المعاد تسخينه بعد تخزينه ليوم أو يومين فقط.
كذلك البيض المسلوق والسبانخ والبنجر (الشمندر) من الأطعمة التي يُحذر من حفظها في الثلاجة لفترات طويلة، إذ يمكن أن تتغير بنيتها الكيميائية وتتحول نيترياتها إلى نيتريتات، وهي مواد سامة تؤثر على الدم وقد تسبب حالات تسمم غذائي للأطفال أو الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة. وقد أوصت دراسات علمية بعدم إعادة تسخين السبانخ أو البنجر بعد التبريد، والاكتفاء بتناولها طازجة أو مباشرة بعد الطهي.
ومن الأطعمة الأخرى التي يخطئ الناس في تخزينها داخل الثلاجة البصل والثوم، فهما يحتويان على مركبات كبريتية حساسة للرطوبة والبرودة، وتخزينهما داخل الثلاجة يؤدي إلى تحلل هذه المركبات وإطلاق غازات تسبب العفن والتسمم البكتيري. كما أن الطماطم تفقد جزءًا كبيرًا من قيمتها الغذائية عند حفظها في درجات حرارة منخفضة، حيث تتعطل فيها الإنزيمات المسؤولة عن النكهة والنضج، فتتحول إلى طعام خالٍ من الطعم وغني بالبكتيريا مع مرور الوقت.
وفي دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كامبريدج البريطانية، تم تحليل تأثير درجات حرارة الثلاجات المنزلية على أكثر من عشرة أنواع من الأطعمة الشائعة، وتبين أن حوالي 40٪ من الأشخاص يقومون بتخزين الأطعمة المطهية في درجات حرارة غير مناسبة، ما يؤدي إلى تكاثر البكتيريا بمستويات مرتفعة دون أن تظهر علامات واضحة للفساد مثل الرائحة أو اللون. وأكد الباحثون أن الطعام قد يبدو سليمًا من الخارج لكنه يحمل بداخله ملايين الكائنات الدقيقة التي تسبب الإسهال والقيء والتهابات المعدة عند تناوله.
ولتجنب هذه الأخطاء الخطيرة، شدد الأطباء على أهمية اتباع قواعد التخزين الصحيحة، وأهمها:
1. عدم ترك الطعام المطبوخ في درجة حرارة الغرفة لأكثر من ساعتين، فهذه المدة كافية لتكاثر البكتيريا.
2. تبريد الأطعمة المطبوخة بسرعة قبل وضعها في الثلاجة، ويفضل تقسيمها إلى عبوات صغيرة لتسريع عملية التبريد.
3. عدم إعادة تسخين الطعام أكثر من مرة واحدة، لأن كل إعادة تسخين تزيد من خطر التسمم.
4. تجنب حفظ الأطعمة النشوية المطبوخة كالارز والبطاطس لأكثر من 24 ساعة داخل الثلاجة.
5. الاحتفاظ بحرارة الثلاجة بين 2 إلى 4 درجات مئوية، لأن درجات الحرارة الأعلى تشجع على نمو الميكروبات.
كما ينصح الأطباء بعدم الثقة المطلقة في مظهر الطعام أو رائحته، لأن العديد من أنواع البكتيريا لا تُصدر روائح أو تغيرات واضحة. والوقاية الحقيقية تبدأ بمعرفة نوع الطعام وكيفية حفظه السليمة.
ويقول الدكتور مايكل كارسون، الباحث في علم الأغذية بجامعة هارفارد: “يعتقد كثير من الناس أن الثلاجة تقتل البكتيريا، لكنها في الحقيقة تبطئ نموها فقط، ولا تمنعها تمامًا. لذلك، فإن سوء الاستخدام يجعلها بيئة خطيرة إذا لم يتم التعامل مع الطعام بحذر.”
يمكن القول إن الثلاجة ليست ضمانًا مطلقًا لحفظ الطعام بأمان، بل قد تتحول إلى مصدر خطر إذا استُخدمت بطريقة خاطئة. ومع أن الهدف من حفظ الطعام هو تجنب التسمم، إلا أن الجهل بطرق التخزين الصحية قد يؤدي إلى النتيجة العكسية تمامًا. لذا، من الضروري لكل أسرة أن تعرف الأطعمة التي يجب حفظها في الثلاجة، وتلك التي ينبغي تركها في درجة حرارة الغرفة، لضمان بقاء الغذاء صحيًا وآمنًا ولتجنب ما يسميه الأطباء “السم البارد” الذي يتشكل بصمت داخل أطعمتنا اليومية.
