عادة غذائية شائعة يظنها الناس صحية لكنها تضعف جهاز المناعة… وتجعل الجسم عرضة للأمراض الفيروسية

في عالم التغذية الحديث، تزداد النصائح اليومية التي تدعو إلى أنماط أكل “صحية” وفقًا لمعايير مجتمعية أو دعايات غذائية غير دقيقة، مما جعل الكثير من الناس يتبنون عادات يعتقدون أنها مفيدة للجسم، بينما الحقيقة العلمية تقول عكس ذلك تمامًا. من أبرز هذه العادات التي صدمت الباحثين في السنوات الأخيرة هي الإفراط في تناول العصائر الطبيعية والفواكه بكميات كبيرة اعتقادًا بأنها تعزز المناعة وتمنح الجسم الطاقة، بينما في الواقع، هذا السلوك قد يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة تدريجيًا وزيادة القابلية للإصابة بالأمراض الفيروسية والمزمنة.
لقد أوضحت الدراسات العلمية الحديثة أن العصائر، حتى تلك الطبيعية الخالية من السكر الصناعي، تحتوي على نسب مرتفعة جدًا من الفركتوز، وهو سكر طبيعي موجود في الفواكه، لكن استهلاكه بكثرة يسبب اضطرابًا في توازن الجلوكوز والأنسولين في الدم. بحسب بحث نشرته جامعة هارفارد عام 2022، فإن تناول كميات كبيرة من العصائر يرفع مستوى الفركتوز في الدم إلى درجة تسبب التهابات خفية في الخلايا المناعية، مما يضعف قدرتها على مقاومة العدوى الفيروسية والبكتيرية.
يقول الدكتور “جون ريفرز”، أخصائي علم المناعة بجامعة ستانفورد، إن الجسم عندما يتلقى كميات مفرطة من السكر الطبيعي بشكل سريع — كما يحدث عند شرب كوب عصير يحتوي على أربع أو خمس حبات فاكهة — فإنه يدخل في حالة من الإجهاد التأكسدي. هذا الإجهاد يضعف الخلايا اللمفاوية، وهي الخط الدفاعي الأول ضد الفيروسات، مما يجعل الإنسان أكثر عرضة لنزلات البرد والإنفلونزا، بل وحتى العدوى البكتيرية.
المشكلة لا تتوقف عند العصائر فقط، بل تمتد إلى عادة غذائية أخرى شائعة وهي تجنب الدهون تمامًا تحت مسمى “الأكل الصحي”. في العقود الماضية، رُوج لفكرة أن الدهون مضرة وأن تناولها يزيد من الوزن والأمراض القلبية، لكن الأبحاث الحديثة بينت أن الدهون الجيدة ضرورية جدًا لعمل الجهاز المناعي. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2021، فإن الأحماض الدهنية الأساسية مثل الأوميغا 3 و6 تلعب دورًا رئيسيًا في بناء أغشية الخلايا المناعية وتنشيط عملها، وأن الأشخاص الذين يتجنبون الدهون كليًا يعانون من ضعف واضح في الاستجابة المناعية.
كما أن نقص الدهون الصحية يؤثر على امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون مثل فيتامين A وE وD وK، وهي فيتامينات حيوية لحماية الجسم من الفيروسات وتقوية الحواجز الدفاعية. فعلى سبيل المثال، فيتامين D الذي ينتجه الجسم عند التعرض للشمس، يحتاج إلى وجود دهون ليتم امتصاصه بكفاءة. نقص هذا الفيتامين مرتبط مباشرة بزيادة احتمالية الإصابة بالأمراض التنفسية والفيروسية.
من العادات التي تضعف المناعة أيضًا الاستهلاك المفرط للأطعمة قليلة السعرات والمعلبة التي تُسوّق على أنها خفيفة أو “لايت”. فهذه المنتجات غالبًا ما تحتوي على محليات صناعية مثل الأسبارتام والسكرالوز، والتي ثبت علميًا أنها تضر بالبكتيريا النافعة في الأمعاء. وهذه البكتيريا ليست مجرد كائنات تعيش في الجهاز الهضمي، بل تشكل خط الدفاع الأول للجسم من خلال إنتاج مركبات مناعية وتحفيز نشاط الخلايا البيضاء. عندما تقل أعدادها بسبب النظام الغذائي الخاطئ، يضعف الجسم بأكمله أمام الفيروسات والطفيليات.
ويشير العلماء إلى أن المناعة لا تُبنى فقط من خلال تناول أطعمة معينة، بل من خلال التوازن الغذائي الكامل الذي يجمع بين البروتينات، الدهون الجيدة، الكربوهيدرات المعقدة، والألياف، مع الابتعاد عن العادات التي تخل بهذا التوازن. الجسم يحتاج إلى تنوع في مصادر الغذاء ليتمكن من إنتاج الأجسام المضادة والإنزيمات الدفاعية بشكل مستمر.
دراسة أسترالية حديثة نشرت في مجلة Nutrients عام 2023 أكدت أن الأشخاص الذين يتناولون العصائر يوميًا بدلًا من تناول الفاكهة الطازجة يعانون بعد عدة أشهر من انخفاض في مؤشرات المناعة بنسبة تصل إلى 28٪، مقارنةً بأولئك الذين يتناولون الفواكه الكاملة الغنية بالألياف. السبب أن الألياف تعمل على إبطاء امتصاص السكر في الدم، مما يحافظ على استقرار الطاقة ويمنع الالتهابات المزمنة التي تجهد الجهاز المناعي.
الخبراء ينصحون اليوم بالاعتدال في كل عادة غذائية مهما بدت صحية، فالإكثار من العصائر، أو الابتعاد الكامل عن الدهون، أو الاعتماد المفرط على الأطعمة “الخفيفة”، كلها سلوكيات تُحدث خللًا تدريجيًا في الجسم. المطلوب هو تناول الفواكه الكاملة بدلًا من العصير، استخدام الزيوت الطبيعية مثل زيت الزيتون والأفوكادو، والاعتماد على الأطعمة الطازجة بدل المعلبة.
أن جهاز المناعة ليس بحاجة إلى المزيد من المكملات أو العصائر أو الحميات القاسية، بل إلى نظام غذائي متوازن ومتنوع يعتمد على الأطعمة الطبيعية غير المصنعة، وعلى النوم الكافي والابتعاد عن التوتر المزمن. فالمناعة ليست مجرد جدار دفاعي مؤقت، بل منظومة ذكية تحتاج إلى العناية اليومية بالتغذية السليمة.