“انتشار اعراض غريبة”… يعاني منها الكثير التعب وألم في الرأس والنعاس… والشعور برغبة في النوم في أي وقت !!

في السنوات الأخيرة بدأ الأطباء والباحثون يلاحظون ارتفاعا ملحوظا في عدد الأشخاص الذين يشتكون من أعراض غير مفسرة تتمثل في التعب المستمر والصداع والشعور بالنعاس في أوقات غير متوقعة إضافة إلى ضعف التركيز والرغبة في النوم حتى خلال النهار. هذه الظاهرة لم تعد مرتبطة فقط بالعمال الذين يواجهون ضغطا شديدا أو الذين يعملون لساعات طويلة بل أصبحت منتشرة بين الشباب والطلاب والموظفين وحتى ربات البيوت. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يشعر الإنسان بهذا الإنهاك المستمر رغم أنه ينام ساعات كافية أحيانا وما الذي يخفيه الجسم وراء هذه الإشارات
الأسباب المحتملة وراء هذه الأعراض
العلم الحديث يربط هذه الأعراض بعدة أسباب عضوية ونفسية وسلوكية قد تتداخل مع بعضها البعض
1 اضطرابات النوم
النوم ليس مجرد إغلاق للعينين بل هو عملية معقدة تمر بمراحل متعددة تسمح للجسم بإصلاح الخلايا وتنظيم الهرمونات وتجديد الطاقة. إذا كان النوم متقطعا أو قصيرا أو يعاني الشخص من الشخير أو توقف التنفس أثناء النوم فلن يحصل على النوم العميق الذي يحتاجه مهما كانت الساعات طويلة. دراسة نشرت في مجلة Sleep Medicine عام 2016 بينت أن انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم يرتبط مباشرة بالشعور بالنعاس النهاري والصداع الصباحي والتعب المزمن
2 فقر الدم ونقص الحديد
فقر الدم واحد من أكثر الأسباب شيوعا للشعور بالإرهاق والدوخة والصداع. نقص الحديد يؤدي إلى قلة إنتاج الهيموغلوبين الذي يحمل الأكسجين إلى الخلايا وبالتالي يشعر الجسم بالتعب حتى عند القيام بأبسط الأنشطة. دراسة في Journal of Internal Medicine أكدت أن علاج نقص الحديد يحسن مستويات النشاط ويقلل الشعور بالتعب والنعاس عند المرضى خاصة النساء في سن الإنجاب
3 ارتفاع أو انخفاض سكر الدم
التذبذب في مستوى السكر في الدم سواء بسبب مقاومة الإنسولين أو بسبب انخفاضه المفاجئ يؤدي إلى شعور الشخص بالدوار والصداع والتعب الشديد. هذا شائع عند الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من السكريات البسيطة ثم يمرون بانخفاض حاد بعد ساعات قليلة. دراسات متعددة أوضحت أن ضبط مستوى السكر عبر الغذاء الصحي يقلل من النعاس والرغبة المستمرة في النوم
4 قصور الغدة الدرقية
الغدة الدرقية تتحكم في معدل الأيض والطاقة في الجسم. عند حدوث قصور في عملها تنخفض مستويات الهرمونات مما يؤدي إلى بطء في العمليات الحيوية وشعور دائم بالنعاس والكسل وضعف التركيز. دراسة نشرت في Clinical Endocrinology عام 2014 بينت أن علاج قصور الغدة الدرقية بالهرمونات التعويضية يؤدي إلى تحسن واضح في مستويات النشاط واليقظة
5 نقص فيتامين د وفيتامين ب12
كلا الفيتامينين مرتبطان مباشرة بصحة الأعصاب والعضلات والجهاز المناعي. نقصهما شائع جدا خاصة عند الأشخاص الذين لا يتعرضون للشمس أو الذين يعتمدون على غذاء فقير بالبروتينات الحيوانية. بحث في Mayo Clinic Proceedings أظهر أن الأشخاص الذين يعانون من نقص فيتامين د لديهم معدلات أعلى من التعب المزمن والصداع والنعاس
6 الجفاف وقلة شرب الماء
حتى فقدان نسبة بسيطة من ماء الجسم قد يؤدي إلى ضعف التركيز والصداع والتعب المستمر. الدماغ حساس جدا لنقص الماء حيث أن الجفاف يؤثر على تدفق الدم إليه. دراسة في Journal of Nutrition عام 2012 أكدت أن الجفاف المعتدل يكفي لإحداث تراجع في النشاط الذهني والشعور بالنعاس
7 الضغوط النفسية والقلق والاكتئاب
العوامل النفسية قد تكون سببا رئيسيا. التوتر المستمر يزيد من إفراز الكورتيزول مما يؤدي إلى اضطراب النوم والشعور بالتعب المزمن. الاكتئاب أيضا يرتبط ارتباطا وثيقا بالشعور بالنعاس وضعف الحافز. الجمعية الأمريكية للطب النفسي توضح أن التعب هو أحد أكثر الأعراض شيوعا للاكتئاب ويجب عدم تجاهله
كيف يميز الإنسان بين الأسباب المختلفة
قد تكون الأعراض متشابهة لكن هناك بعض العلامات المساعدة
إذا كان النعاس مصحوبا بالشخير أو توقف التنفس فقد يكون السبب اضطراب النوم
إذا كان الشخص شاحبا ويعاني من دوخة عند الوقوف فقد يكون السبب فقر الدم
إذا كان هناك زيادة في الوزن وبرودة في الأطراف فقد يشير إلى قصور الغدة الدرقية
إذا كان الشخص يتناول سكريات كثيرة ثم يشعر بالهبوط بعدها بوقت قصير فقد يكون السبب اضطراب سكر الدم
خطوات عملية لتحسين الطاقة والتقليل من الأعراض
1 النوم بانتظام من 7 إلى 8 ساعات في وقت ثابت يوميا مع تجنب الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة
2 تناول غذاء متوازن غني بالخضروات والفواكه والبروتينات مع تقليل السكريات البسيطة
3 شرب ما لا يقل عن لترين من الماء يوميا للحفاظ على ترطيب الجسم
4 ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة مثل المشي نصف ساعة يوميا لتحسين الدورة الدموية وتنشيط الدماغ
5 فحص مستوى الفيتامينات والحديد والغدة الدرقية عند استمرار الأعراض لفترة طويلة
6 إدارة التوتر من خلال التأمل أو اليوغا أو التنفس العميق حيث أن الاسترخاء يساعد على تحسين جودة النوم
متى يجب مراجعة الطبيب
رغم أن معظم حالات التعب والنعاس مرتبطة بنمط الحياة إلا أن استمرار الأعراض لأسابيع أو تأثيرها الكبير على العمل والدراسة يتطلب مراجعة طبية. أيضا إذا كان النعاس مصحوبا بأعراض أخرى مثل فقدان الوزن غير المبرر أو آلام شديدة أو ضيق في التنفس أو خفقان القلب فيجب طلب الفحص الفوري.
الشعور بالتعب والصداع والنعاس والرغبة في النوم في أي وقت لم يعد مجرد ظاهرة عابرة بل أصبح شكوى شائعة لدى الكثيرين. هذه الأعراض قد تكون رسالة من الجسم تكشف عن نقص غذائي أو اضطراب هرموني أو مشكلة في النوم أو حتى ضغط نفسي. الدراسات الحديثة توضح أن معالجة السبب الجذري سواء كان فقر الدم أو قصور الغدة أو نقص الفيتامينات أو انقطاع النفس أثناء النوم يؤدي إلى تحسن ملحوظ في نوعية الحياة.
من المهم أن لا يستهين الإنسان بهذه الإشارات وأن يسعى لتبني أسلوب حياة صحي يقوم على النوم المنتظم والتغذية السليمة والنشاط البدني وإدارة التوتر. فالجسم أذكى مما نظن وغالبا ما يخبرنا مبكرا بما يحتاج إليه. والانتباه لهذه العلامات قد يكون مفتاح الوقاية من أمراض مزمنة أكثر خطورة في المستقبل.