منوعات عامة

بين الدماغ والأمعاء… كيف يؤثر فيتامين د على القولون العصبي؟

في السنوات الأخيرة، انتقل فيتامين د من كونه مجرد فيتامين للعظام إلى مركز الاهتمام في بحوث أمراض المناعة والالتهابات المزمنة، بما فيها متلازمة القولون العصبي (IBS). الدراسات الحديثة تكشف عن علاقة مثيرة بين نقص فيتامين د وزيادة حدة أعراض هذه المتلازمة المزعجة، مما يفتح باباً جديداً للفهم والتدبير.

ماذا تكشف الإحصائيات؟

تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من مرضى القولون العصبي– تصل إلى 80% في بعض الإحصائيات – يعانون من نقص في مستويات فيتامين د في الدم، وهي نسبة أعلى بكثير من العامة. هذا الارتباط لا يبدو صدفة، بل هو انعكاس لآليات معقدة:

1. فيتامين د ومحور الدماغ-الأمعاء:

فيتامين د ليس فيتاميناًفحسب، بل هو هرمون ينظم أكثر من 2000 جين في الجسم. أحد هذه الجينات مرتبط بإنتاج السيروتونين، الناقل العصبي الذي:

· 95% منه يُنتج في الأمعاء

· ينظم حركة الأمعاء وإفرازاتها

· يؤثر على المزاج والقلق المرتبطين بالقولون العصبي

نقص فيتامين د قد يعطل هذه الدورة،مما يفاقم الأعراض.

2. المضاد للالتهابات الطبيعي:

يتحول فيتامين د في الجسم إلى شكله النشط(كالسيتريول) الذي:

· يثبط السيتوكينات الالتهابية (مثل TNF-α, IL-6)

· يحفز الخلايا التائية المنظمة التي تهدئ المناعة

· يحافظ على سلامة الحاجز المعوي

في القولون العصبي،هناك درجة منخفضة من الالتهاب المزمن، وفيتامين د قد يساعد في تعديله.

3. حارس الحاجز المعوي:

يُعرف فيتامين د بدوره في:

· تحفيز إنتاج البروتينات الضرورية للوصلات الضيقة بين خلايا الأمعاء

· تقليل نفاذية الأمعاء (“الأمعاء المتسربة”)

· تعزيز إنتاج الميوسين الواقي

كل هذا يحمي من مرور مواد تثير الجهاز المناعي وتزيد الحساسية.

4. تعديل الميكروبيوم:

أظهرت دراسات على الحيوانات أن نقص فيتامين د يؤدي إلى:

· تناقص في تنوع البكتيريا النافعة

· زيادة في البكتيريا المؤيدة للالتهابات

· تغيرات في الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة

الدلائل السريرية:

· دراسة في مجلة European Journal of Clinical Nutrition (2020) وجدت أن مكملات فيتامين د (50,000 وحدة أسبوعياً) حسنت بشكل ملحوظ من جودة الحياة وتخفيف الأعراض لدى مرضى القولون العصبي.

· دراسة أخرى في BMJ Open Gastroenterology (2019) ربطت بين انخفاض فيتامين د وزيادة شدة الأعراض خاصة الألم والانتفاخ.

الطريقة العملية للتعامل مع هذا الارتباط:

1. الفحص أولاً:

اطلب من طبيبك فحص مستوى 25-هيدروكسي فيتامين د:

· النقص الحاد: أقل من 20 نانوجرام/مل

· نقص: 20-30 نانوجرام/مل

· المثالي: 40-60 نانوجرام/مل

2. المصادر الذكية لفيتامين د:

· التعرض للشمس: 10-15 دقيقة في منتصف النهار (بذراعين مكشوفتين) معظم أيام الأسبوع.

· الغذاء: الأسماك الدهنية (السلمون، السردين)، صفار البيض، الفطر المعرض للأشعة فوق البنفسجية.

· المكملات: تحت إشراف طبي، عادة 1000-4000 وحدة دولية يومياً أو جرعات أسبوعية حسب الحاجة.

3. التكامل مع العلاج الشامل:

فيتامين د ليس علاجاًوحيداً، بل هو جزء من خطة تشمل:

· النظام الغذائي المناسب (قليل الفودماب، غني بالألياف الذائبة)

· إدارة الإجهاد (التأمل، اليوجا، التنفس العميق)

· البروبيوتيك والأطعمة المخمرة

· النوم الكافي والرياضة المنتظمة

تحذيرات مهمة:

· لا تتناول جرعات عالية بدون فحص ومتابعة، فالفائض قد يسبب ارتفاع الكالسيوم وأضراراً في الكلى.

· بعض مرضى القولون العصبي لديهم حساسية من الأشكال الزيتية للمكملات، وقد يحتاجون لأشكال أخرى.

· التفاعلات الدوائية ممكنة مع أدوية الصرع والستيرويدات وبعض خافضات الكوليسترول.

الخلاصة:

فيتامين د يمثل جزءاًمن أحجية معقدة اسمها القولون العصبي. دوره كمنظم للمناعة والالتهاب والعصارات المعوية يجعله عاملاً مساعداً مهماً، لكنه ليس حلاً سحرياً. الرحلة المثلى تبدأ بالفحص، ثم التعرض المعقول للشمس، ثم التغذية السليمة، ثم المكملات المدروسة تحت الإشراف الطبي. الجسم نظام متكامل، وصحة الأمعاء تبدأ من أشعة الشمس التي تلامس بشرتك، وتنتهي بملايين الخلايا في أمعائك التي تنتظر هذه الإشارة الذهبية للعمل بتناغم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!