أحداث مثيرة

ما هو الحيوان الذي لا يُدفن إلا بحضور الشرطة؟ السبب سيُدهشك تمامًا

من بين جميع الكائنات الحية التي تعيش على الأرض، يظل الضبع واحدًا من أكثر الحيوانات التي أثارت جدلًا واسعًا في التاريخ الإنساني، ليس فقط بسبب شكله وسلوكه الغريب، بل لأن وجوده ارتبط بأساطير قديمة، ومعتقدات شعبية متوارثة، وحتى تحقيقات رسمية في بعض الدول. والأمر الأكثر إثارة هو أن الضبع يُعد الحيوان الوحيد الذي لا يُدفن إلا بحضور الشرطة في كثير من المناطق، والسبب وراء ذلك مذهل ومعقد في آن واحد.

لفهم القصة بالكامل، يجب أولًا أن نلقي نظرة علمية على هذا الكائن الغامض. ينتمي الضبع إلى فصيلة الثدييات اللاحمة، وهو من الحيوانات المفترسة الليلية التي تعتمد على حاستي السمع والشم القويتين للعثور على فرائسها أو على بقايا الجيف. ورغم أن كثيرين يظنونه جبانًا لأنه يتغذى على بقايا الحيوانات، إلا أن الدراسات الميدانية الحديثة أثبتت أنه من أذكى الكائنات في السافانا، حيث يستطيع التعاون في مجموعات منظمة تشبه إلى حدٍّ كبير سلوك الذئاب، بل ويتفوق عليها في بعض الحالات من حيث التخطيط والانقضاض الجماعي.

لكن لماذا يُقال إن دفن الضبع يحتاج إلى حضور الشرطة؟

الجواب يكمن في التركيبة الفريدة لجسده. فبحسب تقارير طبية وبيطرية صدرت في عدد من الدول الإفريقية والعربية، تبيّن أن بعض أجزاء الضبع، وخصوصًا في دماغه وغدده، تحتوي على مركبات كيميائية تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان إذا تم استخدامها بشكل غير قانوني. وفي بعض الثقافات القديمة، كانت هذه الأجزاء تُستعمل في ما يُعرف بـ”السحر الأسود” أو “التحكم العقلي”، وهي ممارسات ممنوعة دوليًا وتخضع لعقوبات صارمة.

من هنا، جاء الإجراء القانوني الذي يُلزم السلطات الأمنية بالإشراف على دفن أي ضبع يُعثر عليه ميتًا، للتأكد من عدم سرقة أعضائه أو استخدامها في أعمال غير مشروعة. وتؤكد تقارير شرطة البيئة والحياة البرية في بعض الدول مثل السودان ومصر والمغرب أن حوادث سرقة أعضاء الضباع كانت تتكرر، وأن الأسواق السوداء كانت تعرضها بأسعار مرتفعة لما يُشاع عنها من قدرات خارقة أو تأثيرات روحية. لذلك أصبح من الضروري أن يتم الدفن بحضور الشرطة وتحت مراقبة صارمة.

علميًا، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الدماغ والغدد العرقية للضبع تحتوي على مواد مثل الإندول والأمينات الحيوية التي قد تسبب هلوسات أو تأثيرات على السلوك عند استنشاقها بتركيز عالٍ. وهذه المواد هي نفسها التي جعلت البعض يربط الضبع بالسحر أو بالتنويم القسري، إذ يُقال إن رائحته في بعض الحالات قد تُسبب دوارًا خفيفًا أو فقدانًا مؤقتًا للتركيز لدى الإنسان، خصوصًا في الأماكن المغلقة.

أما من الناحية الاجتماعية، فقد ارتبط الضبع في الثقافة العربية والإفريقية بالخداع والمكر، إذ كان يُقال إنه قادر على “سحر” الإنسان بنظراته أو صوته، وهو اعتقاد لا دليل علمي عليه، لكنه يعكس مدى خوف الناس منه عبر العصور. وتاريخيًا، نجد أن العرب كانوا يضربون المثل بالضبع في الجبن والخداع، لكنه في الواقع حيوان شديد الحذر، لا يهاجم إلا عندما يضطر.

كما أظهرت دراسات حديثة من جامعة نيروبي وجامعة القاهرة أن الضباع تلعب دورًا بيئيًا بالغ الأهمية في الحفاظ على توازن النظام البيئي، فهي تخلص البيئة من الجيف وبقايا الحيوانات الميتة التي يمكن أن تُسبب انتشار الأمراض. بل إن بقايا معدة الضبع تحتوي على أحماض قوية قادرة على هضم العظام، ما يجعلها “منظفًا بيئيًا طبيعيًا” في المناطق البرية.

ورغم كل تلك الفوائد البيئية، فإن السمعة الغامضة للضبع ما زالت تلاحقه حتى اليوم. ففي بعض القرى الإفريقية مثل تنزانيا وأوغندا، يُعتقد أن صرخة الضبع في الليل نذير شؤم، بينما يعتبره بعض سكان شمال إفريقيا رمزًا للدهاء والخداع. وقد دفعت هذه المعتقدات السلطات في بعض الدول إلى إصدار تعليمات تمنع قتل الضباع عشوائيًا أو بيع أجزائها دون إشراف رسمي، حمايةً للتوازن البيئي ولمنع استغلالها في ممارسات غير قانونية.

ولم تقف القصة هنا؛ ففي عام 2021 أصدرت إحدى المؤسسات البحثية في كينيا تقريرًا بيئيًا أكدت فيه أن تراجع أعداد الضباع بسبب الصيد غير القانوني أدى إلى زيادة انتشار الأمراض في المزارع، لأن الجيف لم تعد تُزال من البيئة بالسرعة المطلوبة، ما سمح بتكاثر البكتيريا والطفيليات. هذا التقرير أكد أن وجود الضباع ضروري، وأن القضاء عليها يُعد خطأ بيئيًا فادحًا.

ولعل ما يجعل الضبع مميزًا هو تميّزه الجيني الفريد؛ فقد وجد الباحثون في جامعة أكسفورد أن الحمض النووي للضباع يمتلك صفات مختلطة بين الكلاب والقطط، ما يمنحه قدرات حسية نادرة وسلوكًا مزيجًا بين المفترسات والقوارض. هذا التكوين الجيني الفريد جعل دراسته مثيرة لعلماء الأحياء والسلوك الحيواني، وأدى إلى اكتشافات مهمة حول التواصل الصوتي بين أفراد القطيع، إذ تبين أنهم يستخدمون أكثر من 12 نوعًا من الأصوات المميزة للتعبير عن مشاعرهم، من بينها الضحكة الشهيرة التي تشبه ضحك الإنسان.

أما عن الجانب القانوني الذي أثار الجدل، فمصادر في وزارات البيئة أكدت أن السبب الرئيس وراء إشراف الشرطة على دفن الضباع هو منع سرقة الغدة العطرية الموجودة في قاعدة الذيل، والتي تُستخدم في بعض أنواع السحر، إذ يُعتقد أن رائحتها النفاذة تُحدث تغييرات في وعي الإنسان. هذا المعتقد جعل هذه الغدة تُباع سرًا في الأسواق السوداء بأسعار تصل إلى آلاف الدولارات، رغم أن الدراسات العلمية لم تثبت أي تأثير فعلي لها.

ومع ذلك، فإن الموقف الرسمي واضح: كل ضبع يُعثر عليه ميتًا يجب أن يُدفن بحضور الشرطة أو موظفي حماية الحياة البرية، للتأكد من سلامة الإجراءات وعدم العبث بالجثة. هذا البروتوكول المعتمد في عدد من الدول العربية والإفريقية أصبح اليوم مثالًا على كيفية التداخل بين العلم والقانون والموروث الشعبي.

يمكن القول إن الضبع ليس مجرد حيوان مفترس يعيش في الظل، بل هو كائن بيولوجي معقد وسلوك اجتماعي فريد، أدت غرابته إلى نسج حوله الكثير من القصص والأساطير. وبينما يراه البعض رمزًا للشر والغموض، يرى العلماء فيه عنصرًا مهمًا لحفظ التوازن البيئي. لكن تبقى الحقيقة المؤكدة أن دفنه لا يتم إلا تحت إشراف رسمي، ليس لأنه يحمل أسرارًا خارقة، بل لأن الإنسان هو من أحاطه بالأسرار والأساطير حتى صار “الحيوان الذي لا يُدفن إلا بحضور الشرطة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!