منوعات عامة

فاكهة موسمية متوفرة في الأسواق تعيد بناء جهاز المناعة من جديد… وتقي الجسم من أخطر الأمراض والالتهابات

في زمنٍ تتكاثر فيه الفيروسات والأمراض المعدية وتزداد المخاوف الصحية، أصبح تعزيز المناعة ضرورة أساسية لا رفاهية. لم يعد الأمر مقتصرًا على الأدوية والمكملات، بل عاد العلماء للبحث في كنوز الطبيعة عن مصادر غذائية تملك القدرة على دعم الجسم ومقاومته للمسببات المرضية. ومن بين هذه الكنوز، برزت فاكهة موسمية شائعة ورخيصة الثمن لكنها تمتلك خصائص مدهشة قادرة على إعادة بناء جهاز المناعة من جديد، وتنظيف الجسم من السموم، وحمايته من أخطر أنواع الالتهابات والفيروسات. إنها فاكهة البرتقال، التي أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أنها أكثر من مجرد مصدر لفيتامين سي، بل هي منظومة غذائية متكاملة لتقوية الدفاعات الحيوية للجسم.

البرتقال غني بفيتامين سي، وهو أحد أهم العناصر التي يحتاجها الجسم لإنتاج خلايا الدم البيضاء، وهي خط الدفاع الأول ضد العدوى. وقد أظهرت دراسة نشرت في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية أن تناول فيتامين سي بانتظام يساهم في تقليل مدة الإصابة بالبرد بنسبة تصل إلى 30٪، ويزيد من سرعة تعافي الأنسجة التالفة بعد العدوى. كما يعمل فيتامين سي كمضاد أكسدة قوي، يحارب الجذور الحرة التي تسبب تلف الخلايا وتسريع الشيخوخة.

لكن ما لا يعرفه كثير من الناس هو أن البرتقال يحتوي أيضًا على مركبات نباتية فعالة مثل الفلافونويدات، أبرزها الهسبيريدين والنارينجينين، وهما مادتان تمتازان بقدرة عالية على محاربة الالتهابات المزمنة وتقوية الشعيرات الدموية وتحسين تدفق الدم. هذه الخصائص تجعل البرتقال عاملًا مساعدًا في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، إذ تساهم مركباته في تقليل تراكم الكوليسترول الضار وتنشيط الدورة الدموية.

أما جهاز المناعة، فإن الدراسات الحديثة أكدت أن تناول حصة يومية من البرتقال أو شرب كوب من عصيره الطبيعي الطازج يعزز نشاط الخلايا المناعية المسؤولة عن التعرف على الفيروسات وتدميرها. كما أنه يحفز إنتاج الكولاجين، وهو البروتين الذي يشكل الأساس في بناء الجلد والأغشية المخاطية، وهي خطوط الدفاع الأولى ضد الجراثيم.

ويتميز البرتقال أيضًا بقدرته على دعم الكبد، العضو الأساسي في تنظيف الجسم من السموم. إذ يحتوي على مركبات تساعد على تحفيز إنتاج الإنزيمات المسؤولة عن تكسير السموم وإخراجها من الجسم. وبهذا فإن الاستهلاك المنتظم للبرتقال لا يعزز المناعة فقط، بل يساهم في تنقية الدم وتجديد الخلايا وتحسين قدرة الجسم على مقاومة العدوى.

ومن المثير للاهتمام أن العلماء وجدوا علاقة وثيقة بين استهلاك فيتامين سي وتحسن صحة الجهاز التنفسي. فخلال انتشار الأمراض الفيروسية التنفسية، أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يتناولون البرتقال والحمضيات بانتظام تقل لديهم احتمالية الإصابة بمضاعفات خطيرة مثل الالتهاب الرئوي أو انسداد الشعب الهوائية. كما أن مضادات الأكسدة الموجودة في البرتقال تحمي خلايا الرئتين من الالتهاب الناتج عن الملوثات والفيروسات.

ولتعزيز فعالية البرتقال، ينصح الخبراء بعدم عصره وتخزينه لفترات طويلة، لأن فيتامين سي يفقد فعاليته عند التعرض للهواء والحرارة. الأفضل هو تناوله طازجًا بعد تقشيره مباشرة، أو شرب عصيره الطبيعي دون سكر. كما يُستحسن تناول اللب الأبيض الداخلي لأنه يحتوي على ألياف ذائبة مفيدة تُبطئ امتصاص السكر وتساعد على خفض الكوليسترول.

ولا يقتصر تأثير البرتقال على المناعة فقط، بل يمتد إلى الجهاز العصبي. فوجود فيتامين ب6 والمغنيسيوم يساعدان في تقليل التوتر وتحسين المزاج، كما أن الرائحة العطرية للبرتقال أظهرت في بعض التجارب تأثيرًا مهدئًا على الدماغ، مما يجعله عاملًا طبيعيًا في مقاومة القلق والإرهاق النفسي.

من ناحية أخرى، أشارت أبحاث في المجلة الأوروبية للتغذية إلى أن الأشخاص الذين يتناولون الحمضيات بانتظام لديهم مؤشرات مناعية أفضل ومستويات أقل من البروتينات الالتهابية في الدم، مقارنة بمن لا يستهلكونها بانتظام. هذا يعني أن البرتقال يعمل كدرع طبيعي ضد الالتهابات المزمنة التي تعتبر أساسًا لتطور أمراض مثل السكري وأمراض القلب وحتى السرطان.

كما أن الألياف الغذائية الموجودة في البرتقال، خاصة البكتين، تساهم في تغذية البكتيريا النافعة في الأمعاء، والتي تُعتبر جزءًا مهمًا من الجهاز المناعي. فقد ثبت أن توازن الميكروبيوم المعوي هو أحد المفاتيح الأساسية للمناعة القوية، وأن أي اضطراب فيه يؤدي إلى ضعف الدفاعات الطبيعية.

البرتقال إذن ليس مجرد فاكهة شهية، بل علاج طبيعي متكامل يوازن الجسم من الداخل، ويعيد الحيوية لكل خلية. ومع أنه متوفر بكثرة في الأسواق، إلا أن قيمته الصحية تفوق بكثير ثمنه الرمزي. وتوصي منظمة الصحة العالمية بتناول حصتين على الأقل من الفواكه يوميًا، ويفضل أن تكون إحداهما من الحمضيات، خاصة في فصول الشتاء وفترات انتشار الفيروسات.

إن تناول البرتقال يوميًا قد يكون الخطوة البسيطة التي تحميك من أمراض كثيرة دون أن تشعر. كوب واحد من عصير البرتقال الطبيعي يمكن أن يزود الجسم بحاجته اليومية من فيتامين سي ويعزز نشاط جهاز المناعة بطريقة طبيعية وآمنة. وبينما يركّز الكثيرون على الأدوية والمكملات، فإن الحقيقة أن الشفاء الحقيقي يبدأ من الغذاء، وأن ما نأكله يوميًا هو خط الدفاع الأول ضد الأمراض.

يمكن القول بثقة إن البرتقال هو فاكهة المناعة الأولى، سلاح طبيعي ضد الفيروسات، مصدر للطاقة، ومنقٍّ للجسم من السموم. ومع انتظام تناوله، يمكن للجسم أن يستعيد توازنه الطبيعي، وتتحسن مقاومته للأمراض بشكل واضح. لذا، قبل أن تبحث عن الدواء، اجعل الطبيعة حليفك الأول، وابدأ من طبق فاكهة غني بلون البرتقال الزاهي الذي يحمل في داخله سر الصحة والحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!