منوعات عامة

عشبة طبيعية مهملة يجهلها الكثيرون.. لكن الأبحاث أكدت أنها تفجر الخلايا السرطانية من الداخل وتمنع الورم من الانتشار في الجسم

في عالم الطب الحديث الذي يزدحم بالعقاقير والمركبات الكيميائية، ما زالت الطبيعة تحتفظ بأسرار مذهلة يمكن أن تغيّر وجه العلاج البشري بالكامل. من بين هذه الأسرار، برزت عشبة ظلت لسنوات طويلة تُستخدم في الطب الشعبي دون أن يدرك كثيرون قيمتها العلمية الحقيقية، حتى كشفت الدراسات الحديثة عن قدرتها المذهلة على مقاومة الخلايا السرطانية ومنع انتشارها في الجسم. إنها عشبة الشيح، التي باتت اليوم محط أنظار الباحثين حول العالم لما أظهرته من خصائص فريدة في مواجهة السرطان بطريقة طبيعية وآمنة.

الشيح هو نبات بري عطري ينتمي إلى عائلة النباتات النجمية، وينمو في مناطق مختلفة من آسيا وإفريقيا وأوروبا. استُخدم منذ آلاف السنين في الطب الشعبي لعلاج مشكلات الهضم، وطرد الطفيليات، وتقوية المناعة. لكن المفاجأة الكبرى جاءت حين بدأ العلماء في دراسة مكوناته الكيميائية، فوجدوا أنه يحتوي على مركب طبيعي قوي يعرف باسم الأرتيميسينين، وهو مادة تمتلك قدرة خارقة على مهاجمة الخلايا السرطانية دون التأثير على الخلايا السليمة.

تعود آلية عمل هذا المركب إلى أنه يتفاعل مع الحديد داخل الخلايا السرطانية، حيث تكون هذه الخلايا غنية بالحديد أكثر من الخلايا الطبيعية، ما يؤدي إلى توليد جزيئات مؤكسدة قوية تُعرف باسم الجذور الحرة. هذه الجزيئات تعمل على تفجير الخلية السرطانية من الداخل، مما يؤدي إلى تدميرها ومنعها من التكاثر. وقد وصف باحثون في جامعة كاليفورنيا هذا التأثير بأنه يشبه “القنبلة الموجهة” التي تصيب الخلية الخبيثة بدقة دون أن تمس الأنسجة المحيطة بها.

في عام 2012 نشرت مجلة Life Sciences دراسة بيّنت أن الأرتيميسينين يمكن أن يقضي على أكثر من 90% من خلايا سرطان الرئة في غضون 16 ساعة فقط من التعرض له، مع تأثير محدود جدًا على الخلايا السليمة. وفي دراسات لاحقة، أظهرت المركبات المشتقة من الشيح فاعلية عالية أيضًا ضد أنواع مختلفة من السرطانات، مثل سرطان الثدي، وسرطان القولون، وسرطان الدم، وحتى الأورام الدماغية.

اللافت أن الشيح لا يكتفي بتدمير الخلايا السرطانية فحسب، بل يعمل أيضًا على منع انتشار الورم داخل الجسم عبر إعاقة تكوين الأوعية الدموية التي تغذي الأورام بالنمو، وهي عملية تعرف في الطب باسم “تثبيط تولد الأوعية الدموية”. هذه الخاصية تمنع الورم من التوسع والانتشار إلى أعضاء أخرى، وهو ما يجعل العشبة سلاحًا مزدوج الفعالية في مواجهة هذا المرض الخبيث.

من الناحية المناعية، أكدت أبحاث أخرى أن الشيح يساعد على تعزيز جهاز المناعة وتنشيط خلايا الدم البيضاء التي تحارب العدوى والخلايا المتحولة، مما يزيد من قدرة الجسم على مقاومة السرطان طبيعيًا. إضافة إلى ذلك، فإن احتواء العشبة على مضادات أكسدة قوية مثل الفلافونويدات والبوليفينولات يجعلها فعالة في تقليل الالتهابات المزمنة التي تمهد لنشوء الأورام في الجسم.

طرق استخدام الشيح تختلف حسب الغرض، إلا أن الأطباء وخبراء الأعشاب يؤكدون ضرورة تناوله باعتدال وتحت إشراف مختص، خاصة عند استخدامه لأغراض علاجية. يمكن تحضيره على شكل شاي خفيف عن طريق غلي أوراقه المجففة لمدة دقائق قليلة، أو استخلاص زيته الأساسي واستخدامه بجرعات محدودة. كما تُستخلص منه مكملات طبية متوفرة في بعض الأسواق العالمية تحتوي على نسب دقيقة من الأرتيميسينين المعزول، تُستخدم في البحوث والمراكز الطبية.

ومن المهم التنويه إلى أن الأبحاث ما زالت جارية لتطوير استخدامات الأرتيميسينين في علاج السرطان، إذ يعمل العلماء على دمجه مع أدوية أخرى لتعزيز فعاليته وضمان وصوله إلى أماكن الأورام في الجسم بشكل أكثر دقة. في عام 2019، نشرت جامعة واشنطن بحثًا أشار إلى أن الجمع بين الأرتيميسينين ومركبات الحديد يمكن أن يعزز قتل الخلايا السرطانية بنسبة تصل إلى 98% في بعض التجارب المخبرية.

رغم هذه النتائج المذهلة، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الشيح ليس بديلًا عن العلاجات الطبية التقليدية، بل يمكن أن يُستخدم كعلاج مكمل يساعد على تقوية الجسم أثناء العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، ويُخفف من الأعراض الجانبية المصاحبة لهما.

من الناحية الوقائية، ينصح بتضمين المشروبات العشبية الغنية بمضادات الأكسدة ضمن النظام الغذائي اليومي، مع التركيز على نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة والنوم الكافي والابتعاد عن التدخين والمواد المسرطنة. فالوقاية من السرطان تبدأ من نمط الحياة قبل أن تكون في دواء أو عشبة.

إن اكتشاف القوة الكامنة في عشبة الشيح يذكرنا مجددًا بأن الطبيعة ما زالت تخفي بين طياتها كنوزًا علاجية قد تغيّر مستقبل الطب. وفي ظل ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، يبدو أن العودة إلى المصادر الطبيعية المدروسة علميًا قد تكون خطوة ذكية نحو صحة أفضل وحياة أطول.

إن عشبة الشيح ليست مجرد نبات بري بسيط كما كان يُعتقد، بل هي نموذج حيّ لقدرة النباتات على تقديم حلول حقيقية لأعقد الأمراض. ومع استمرار الدراسات في هذا المجال، فإن الأمل يتجدد في أن يتحول هذا الاكتشاف إلى علاج فعّال معتمد يمكن أن ينقذ حياة الملايين حول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!