منوعات عامة

“زلزال في الطب الحديث” فاكهة حمراء صغيرة تُعيد شباب البشرة… وتقوي النظر وتحمي من السرطان

في السنوات الأخيرة أصبح الطب الحديث أكثر انفتاحًا على الطبيعة، وبدأ العلماء بإعادة اكتشاف أسرار الفواكه والنباتات التي طالما استخدمها الإنسان القديم في التغذية والشفاء. وفي مقدمة هذه الاكتشافات الحديثة، برزت فاكهة حمراء صغيرة أثارت دهشة الأطباء والباحثين حول العالم بسبب قدرتها المذهلة على محاربة الشيخوخة، تقوية البصر، وحماية الجسم من الأمراض المزمنة، وعلى رأسها السرطان. هذه الفاكهة ليست غريبة أو نادرة كما يظن البعض، بل متوفرة في معظم الأسواق ويمكن تناولها بسهولة يوميًا، وهي فاكهة التوت البري (Cranberries) والتوت الأزرق (Blueberries) اللتان تصنفان اليوم من أقوى الأغذية المقاومة للأمراض.

دراسات علمية حديثة نشرت في Journal of Agricultural and Food Chemistry أكدت أن التوت البري يحتوي على نسبة مرتفعة من مضادات الأكسدة وخاصة مركبات الأنثوسيانين، وهي المواد التي تمنح الفاكهة لونها الأحمر والأزرق الداكن وتحمي خلايا الجسم من التلف الناتج عن الجذور الحرة. الجذور الحرة هي السبب الرئيسي وراء الشيخوخة المبكرة وظهور التجاعيد وأمراض القلب والسرطان، لذا فإن تناول هذه الفاكهة الغنية بمضادات الأكسدة يعد بمثابة درع وقائي قوي للجسم.

إحدى الدراسات التي أجريت في جامعة هارفارد أظهرت أن النساء اللواتي تناولن التوت البري أو الأزرق ثلاث مرات أسبوعيًا انخفض لديهن خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 34٪ مقارنة بغيرهن. كما لاحظ الباحثون تحسنًا في مرونة الأوعية الدموية وانخفاضًا في مستويات الالتهاب العام، ما يعني أن هذه الفاكهة لا تقتصر فوائدها على الجلد أو المظهر الخارجي فقط، بل تمتد لتشمل حماية القلب والدورة الدموية.

أما فيما يتعلق بالبشرة، فقد تبين أن التوت البري يحتوي على فيتامينات أساسية مثل فيتامين سي وفيتامين إي، وكلاهما يساهم في تحفيز إنتاج الكولاجين في الجلد، وهو البروتين المسؤول عن مرونة البشرة وشبابها. مع التقدم في العمر يتناقص إنتاج الكولاجين بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى الترهل والتجاعيد، ولكن تناول هذه الفاكهة بانتظام يساعد على إبطاء هذه العملية واستعادة نضارة البشرة الطبيعية. كما أن عصير التوت الطبيعي يمكن أن يُستخدم خارجيًا على الجلد بصفته قناعًا مغذيًا يفتح المسام وينقي البشرة من السموم.

أما بالنسبة للنظر، فقد اكتشف باحثون في جامعة طوكيو أن مركبات الأنثوسيانين الموجودة في التوت تساعد على تحسين تدفق الدم إلى شبكية العين، وتحافظ على صحة الخلايا العصبية البصرية. وأظهرت الدراسة أن تناول التوت بانتظام لمدة شهرين أدى إلى تحسين الرؤية الليلية وتقليل إجهاد العين بشكل ملحوظ لدى المشاركين الذين يستخدمون الشاشات لفترات طويلة. كما تم ربط هذه الفاكهة بتقليل خطر الإصابة بمرض التنكس البقعي المرتبط بالعمر، وهو السبب الرئيسي لفقدان البصر لدى كبار السن.

الجانب الأهم الذي جعل العلماء يصفون التوت بأنه “فاكهة خارقة” هو قدرته على مقاومة السرطان. فقد نشرت National Cancer Institute دراسة موسعة تشير إلى أن مستخلص التوت البري يوقف نمو الخلايا السرطانية في القولون والثدي والرئة، ويمنعها من التكاثر عبر تعطيل عمل بعض الإنزيمات المسؤولة عن الانقسام الخلوي غير الطبيعي. هذه النتائج جعلت الباحثين يقترحون إدخال هذه الفاكهة ضمن الأنظمة الغذائية الوقائية التي تُستخدم لتقليل خطر الإصابة بالسرطان.

ولا تتوقف الفوائد هنا، فالتوت أيضًا يعزز وظائف الدماغ ويحسن الذاكرة. تجربة سريرية أجريت في جامعة إكستر البريطانية بينت أن كبار السن الذين تناولوا كوبًا من عصير التوت الأزرق يوميًا لمدة 12 أسبوعًا أظهروا تحسنًا واضحًا في اختبارات الذاكرة والانتباه، إضافة إلى زيادة تدفق الدم إلى مناطق محددة في الدماغ المسؤولة عن التفكير والتذكر. ويرجح العلماء أن السبب يعود إلى قدرة مركبات الفلافونويد على تنشيط الاتصالات العصبية داخل الدماغ وحماية الخلايا من التلف التأكسدي.

ولمن يرغب في الاستفادة القصوى من هذه الفاكهة، ينصح الخبراء بتناولها طازجة أو مجمدة دون إضافة السكر. كما يمكن إضافتها إلى الشوفان أو الزبادي في وجبة الإفطار، أو تناول كوب من عصيرها الطبيعي يوميًا. ومن المهم الإشارة إلى أن عصير التوت المعلب الذي يباع في الأسواق غالبًا يحتوي على كميات كبيرة من السكر المضاف الذي يقلل من الفوائد الصحية، لذلك يُفضل الاعتماد على الفاكهة الكاملة أو العصير الطبيعي المحضر في المنزل.

من الجدير بالذكر أيضًا أن هذه الفاكهة تساهم في تحسين الهضم، إذ تحتوي على ألياف طبيعية تنظم حركة الأمعاء وتحافظ على توازن البكتيريا المفيدة في الجهاز الهضمي، مما يساعد على امتصاص المغذيات وتقليل الانتفاخات. كما أن خصائصها المضادة للبكتيريا تساهم في الوقاية من التهابات المسالك البولية التي تصيب النساء بشكل خاص، وهو ما أكدته دراسة منشورة في American Journal of Clinical Nutrition حيث تبين أن النساء اللواتي تناولن عصير التوت البري بانتظام انخفضت لديهن احتمالية الإصابة بهذه الالتهابات بنسبة 40٪.

فاكهة التوت البري والأزرق ليست مجرد وجبة خفيفة لذيذة، بل هي كنز غذائي وطبي متكامل يعيد للبشرة شبابها، وللعين قوتها، وللجسم طاقته وحمايته. ومع تزايد الأبحاث التي تثبت فعاليتها، أصبح التوت جزءًا أساسيًا من أنظمة التغذية الصحية في مختلف أنحاء العالم.

في عالم الطب الحديث، حيث تتسابق شركات الأدوية لتطوير العلاجات الكيميائية، يبرز التوت كرسالة واضحة من الطبيعة بأن الحلول البسيطة والموجودة في متناول الجميع قد تكون أكثر فعالية وأمانًا مما نتصور. إنها فاكهة صغيرة، لكنها بالفعل “زلزال في الطب الحديث” لأنها تحمل في مكوناتها سر الصحة والجمال وطول العمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!