منوعات عامة

احذر قبل تناول العصير يوميًا.. معلومات صادمة تكشف لماذا ليس دائمًا الخيار الصحي

يُنظر إلى العصائر الطبيعية منذ عقود على أنها رمز للصحة والعافية، وغالبًا ما تُقدَّم كبديل مثالي للمشروبات الغازية أو السكرية، ويُروَّج لها على أنها غنية بالفيتامينات والمعادن ومفيدة للجسم. لكنّ ما لا يعرفه الكثيرون أن العصير، حتى لو كان طازجًا ومُحضّرًا في المنزل، ليس دائمًا الخيار الصحي الذي نعتقده. ففي السنوات الأخيرة، كشفت الدراسات العلمية الحديثة عن جوانب خفية في العصائر تجعل الإفراط في تناولها خطرًا حقيقيًا على الصحة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بنسبة السكر العالية وتأثيرها على مستويات الجلوكوز في الدم.

العصير الطبيعي، سواء كان من البرتقال أو التفاح أو الرمان أو حتى الجزر، يحتوي بالفعل على عناصر غذائية مهمة مثل فيتامين C، ومضادات الأكسدة، والألياف (في حال لم يتم تصفيته). لكن المشكلة تبدأ عندما يُستخلص العصير من الفاكهة دون الألياف، لأن هذه الألياف هي التي تبطئ امتصاص السكر في الدم وتساعد على تنظيمه. ومع غياب الألياف، يتحول السكر الموجود في الفاكهة إلى “سكر حر” يدخل مجرى الدم بسرعة كبيرة، مما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في سكر الدم والأنسولين، وهو ما قد يسبب على المدى الطويل مشاكل في التمثيل الغذائي وزيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

دراسة نشرتها مجلة British Medical Journal عام 2013، تابعت أكثر من 180 ألف شخص على مدى 24 عامًا، وجدت أن استهلاك العصائر الطبيعية بانتظام يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة تصل إلى 21% مقارنة بمن يتناولون الفاكهة الكاملة. السبب في ذلك أن شرب العصير لا يمنح الشعور بالشبع كما تفعل الفاكهة الصلبة، مما يؤدي إلى تناول كميات أكبر من السكر والسعرات دون وعي.

من ناحية أخرى، العصائر الجاهزة والمعلبة تمثل مشكلة أكبر، إذ تحتوي معظمها على سكريات مضافة ومواد حافظة ومنكهات صناعية. فالكوب الواحد من عصير البرتقال الصناعي قد يحتوي على ما يعادل 8 إلى 10 ملاعق صغيرة من السكر، أي أكثر مما هو موجود في عبوة مشروب غازي متوسطة الحجم. وهذا يعني أن الشخص الذي يعتقد أنه يحافظ على صحته بشرب العصائر المعبأة قد يكون في الواقع يزيد من خطر إصابته بالسمنة، وأمراض القلب، والكبد الدهني، وتسوس الأسنان.

لكن هذا لا يعني أن العصير يجب أن يُمنع تمامًا، بل أن يتم استهلاكه بوعي واعتدال. الخبراء ينصحون بأن يكون العصير مكملًا وليس بديلًا عن الفاكهة، وبأن يُستهلك بكميات محدودة لا تتجاوز كوبًا واحدًا (حوالي 150 مل) يوميًا، ويفضل أن يكون العصير غير مُصفى ليحتفظ بأليافه. كما يُفضل تناوله مع الوجبات بدلًا من شربه على معدة فارغة لتقليل امتصاص السكر.

ومن المهم أيضًا الانتباه إلى أن بعض أنواع العصائر تحتوي على مركبات حمضية قوية مثل حمض الستريك الموجود في عصير الليمون أو البرتقال، والتي قد تُضعف مينا الأسنان مع الوقت إذا تم تناولها بإفراط أو دون تخفيفها بالماء. دراسات في Journal of Dentistry أظهرت أن شرب العصائر الحمضية يوميًا يمكن أن يؤدي إلى تآكل المينا بنسبة تصل إلى 40% خلال أسابيع قليلة فقط. لذا يُنصح باستخدام القش (الشاليموه) عند شرب العصائر الحمضية وغسل الفم بالماء بعد ذلك مباشرة.

من الحقائق المثيرة التي كشفتها الأبحاث أيضًا أن بعض العصائر التي نعتقد أنها صحية قد تؤثر سلبًا على الجهاز الهضمي والكبد. فعصير التفاح، على سبيل المثال، يحتوي على نسبة عالية من الفركتوز، وهو نوع من السكر يصعب على الكبد التعامل معه عندما يتم استهلاكه بكميات كبيرة، مما قد يساهم في تراكم الدهون في الكبد على المدى الطويل. أما العصائر الخضراء التي تُحضّر من الخضروات الورقية مثل الكرفس والسبانخ، فهي وإن كانت مليئة بالعناصر المفيدة، إلا أنها قد تحتوي على مستويات مرتفعة من النترات التي تتحول داخل الجسم إلى مركبات ضارة إذا تم تناولها بإفراط.

كما أن العصير لا يُعتبر مناسبًا في حالات مرضية معينة. فالأشخاص الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي قد تتفاقم لديهم الأعراض بسبب الفركتوز الزائد أو الأحماض العضوية الموجودة في العصائر. وكذلك مرضى الكلى قد يتضررون من العصائر الغنية بالبوتاسيوم مثل عصير البرتقال أو الطماطم، إذا لم تكن مستويات هذا العنصر تحت السيطرة.

من ناحية أخرى، هناك بعض الفوائد الحقيقية التي يمكن الاستفادة منها عند تناول العصير بطريقة صحيحة. فعصير الرمان مثلًا يحتوي على مركبات بوليفينول قوية مضادة للأكسدة تحمي القلب وتقلل الالتهابات، كما أن عصير الجزر غني بالبيتا كاروتين الذي يتحول إلى فيتامين A ويدعم صحة الجلد والعينين. لكن يجب التأكيد أن هذه الفوائد تتحقق عند تناول العصير باعتدال وضمن نظام غذائي متوازن، وليس بالاعتماد عليه كمصدر رئيسي للفيتامينات.

في المقابل، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن تناول الفاكهة الكاملة يمنح الجسم كل هذه الفوائد دون أضرار السكر المرتفع، لأن عملية المضغ البطيئة والألياف الغذائية تضمن امتصاصًا تدريجيًا للطاقة وتحكمًا في الشهية. كما أن الفاكهة الكاملة تُحفّز إنتاج هرمونات الشبع مثل اللبتين، وهو ما لا يحدث عند شرب العصير.

إذن، الخلاصة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن العصير ليس دائمًا رمزًا للصحة كما يُروّج له، بل يجب التعامل معه كمنتج غني بالطاقة والسكر يجب استهلاكه بحذر. الخيار الأفضل هو تناول الفاكهة كما هي، مع قشرتها كلما أمكن، والاعتماد على الماء والمشروبات العشبية غير المحلاة لترطيب الجسم.

إن الوعي بتفاصيل ما نستهلكه هو الخطوة الأولى لحياة صحية متوازنة، والعصير مثال واضح على أن “الشيء الطبيعي” ليس دائمًا “الخيار الأفضل”. العلم اليوم يذكّرنا بأن التوازن والاعتدال هما مفتاح الصحة الحقيقية، وأن العودة إلى الفاكهة الكاملة بدلاً من الاعتماد على العصير هي الطريق الأذكى للحفاظ على الجسم في أفضل حالاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!