يعتقد الكثير من الناس أن كل ما هو طبيعي آمن وصحي ويمكن تناوله بلا قيود، إلا أن العلم الحديث يثبت العكس في كثير من الحالات. فهناك بعض المشروبات الطبيعية التي اعتاد الناس شربها يوميًا على اعتبار أنها مفيدة للجسم، لكنها في الحقيقة قد تشكل خطراً صامتاً على الصحة، خصوصًا لدى مرضى السكري أو الأشخاص المعرّضين للإصابة به.
واحدة من أبرز هذه المشروبات هي عصائر الفواكه الطبيعية المحلاة أو المركزة. ورغم أنها تبدو خيارًا صحياً للوهلة الأولى، فإن تناولها بشكل يومي وبكميات كبيرة قد يرفع مستويات السكر في الدم إلى معدلات خطيرة قد تصل إلى مرحلة قاتلة عند بعض الحالات، خاصة إذا ترافق ذلك مع إهمال النظام الغذائي أو قلة النشاط البدني.
لماذا عصائر الفواكه خطيرة رغم كونها طبيعية؟
الفواكه في حالتها الكاملة تحتوي على الألياف الغذائية التي تبطئ امتصاص السكر في الدم. لكن عند عصر الفاكهة تتحرر سكريات الفركتوز والغلوكوز بكميات عالية في العصير، وتُفقد الألياف الطبيعية التي تحمي الجسم من الارتفاع السريع لمستوى السكر.
على سبيل المثال:
كوب واحد من عصير البرتقال الطبيعي (250 مل) يحتوي على ما يقارب 25 غرامًا من السكر، وهو ما يعادل تقريبًا ست ملاعق صغيرة.
كوب من عصير العنب يمكن أن يحتوي على أكثر من 36 غرامًا من السكر، أي ما يعادل تسع ملاعق صغيرة تقريبًا.
هذا الارتفاع المفاجئ في مستوى السكر بالدم يؤدي إلى زيادة إفراز الإنسولين من البنكرياس بشكل متكرر، ومع مرور الوقت يسبب إنهاكًا للبنكرياس وزيادة مقاومة الإنسولين، وهو العامل الأساسي لظهور مرض السكري من النوع الثاني.
المخاطر الصحية الناتجة عن شرب العصائر يوميًا
1. زيادة خطر الإصابة بالسكري
دراسة نُشرت في مجلة Diabetes Care عام 2013، شملت أكثر من 187 ألف شخص، وجدت أن الأشخاص الذين تناولوا كوبًا واحدًا من عصير الفاكهة يوميًا ارتفع لديهم خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 21% مقارنة بمن لا يتناولونه بانتظام.
2. رفع مستويات السكر لمعدلات خطيرة
عند شرب العصائر بشكل متكرر، خصوصًا على معدة فارغة، يحدث ارتفاع سريع لمستويات السكر قد يصل إلى مستويات مهددة للحياة لدى مرضى السكري أو كبار السن. هذا الارتفاع المفاجئ قد يؤدي إلى حالة تُعرف بـ فرط سكر الدم الحاد، والتي إن لم يتم التعامل معها قد تؤدي إلى الغيبوبة السكّرية.
3. زيادة خطر السمنة
العصائر مليئة بالسعرات الحرارية والسكر السائل الذي لا يمنح الإحساس بالشبع، ما يدفع الشخص لاستهلاك المزيد من الطعام لاحقًا، وهو ما يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة، وهما من أبرز عوامل خطر أمراض القلب والسكري.
4. تأثير سلبي على الكلى والقلب
الإفراط في تناول الفركتوز يسبب تراكم حمض اليوريك في الدم، ما يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى. دراسة في Journal of the American Society of Nephrology أثبتت أن الفركتوز الزائد يرتبط بزيادة خطر الفشل الكلوي التدريجي.
دراسات وأدلة علمية داعمة
دراسة أجرتها جامعة هارفارد على مدى 18 عامًا أكدت أن استبدال كوب العصير اليومي بحبة فاكهة كاملة يقلل من خطر الإصابة بالسكري بنسبة تصل إلى 23%.
دراسة نشرت في BMJ عام 2014 أظهرت أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من العصائر أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مقارنة بأولئك الذين يستهلكون الفاكهة الطازجة.
بحث علمي في Nutrients Journal عام 2020 أكد أن الفركتوز السائل الموجود في العصائر هو الأكثر خطورة لأنه يُمتص بسرعة ويدخل الكبد مباشرة، مما يزيد من خطر الكبد الدهني غير الكحولي.
البدائل الصحية
تناول الفواكه الكاملة بدلاً من عصرها، لأن الألياف تُبطئ امتصاص السكر وتقلل من الارتفاع المفاجئ في مستويات الغلوكوز.
شرب الماء أو شاي الأعشاب الخالي من السكر كخيار يومي آمن وصحي.
إذا رغبت بشرب العصير، فليكن بكميات قليلة جدًا لا تتجاوز نصف كوب، ويفضل أن يكون مع وجبة تحتوي على بروتين أو دهون صحية لإبطاء امتصاص السكر.
رغم أن عصائر الفواكه طبيعية وتُصنع من مكونات يظنها الكثيرون صحية، إلا أن شربها يوميًا قد يتحول إلى خطر حقيقي يهدد الصحة، لأنها ترفع مستويات السكر بسرعة كبيرة وتجهد البنكرياس، مما قد يؤدي بمرور الوقت إلى السكري، السمنة، وأمراض القلب والكلى. العلم اليوم يؤكد أن الاعتدال والوعي الغذائي هما السبيل للحفاظ على الصحة، وأن “الطبيعي” ليس بالضرورة آمناً إذا لم يُستهلك بالشكل الصحيح.
